إلى منطقة تاركة بإحدى أعمق المناطق داخل تخوم ما وراء جبال أزيلال، شد شباب الأوركيد الرحال في قافلة إنسانية تضامنية محملة بمواد التغذية والألبسة، فجر الأحد 22 مارس الجاري، حيث لم تمنع مزاجية الأجواء الماطرة الأمانة من وصولها إلى أهلها هناك. أزيد من ستين أسرة، هذا ما أحصيناه، المسافة من مدينة بني ملال إلى جبال تاركة، استغرقت 5 ساعات، وعند تخوم القرية، صادفنا وادا هناك فاض ماؤه، وانجرفت تربته، والعارفين بالمنطقة حذرونا قبْلا، أن ما أقدمنا عليه مغامرة ومخاطرة بأرواحنا قبل السلع والمواد التي نحملها. أخذنا على العاتق أن نتمم ما بدأناه، دون أن ينقص ذلك من إرادتنا قيد أُنمُلة، واجهنا الماء الجارف وبقينا ساعات نقاوم التيار بالتجلّد، اتلِفت بعض الموادّ كالسكّر، شمّر كلّ الشباب عن سواعده، وحاولنا الخروج بأقل الخسائر، وصلت شاحنة كبيرة لنقل الحجارة وجرافة كبيرة لمساعدتنا على الخروج من وسط المياه الغامرة، شعرنا أنّ خطرا حقيقيا يهددنا بالغرق وباتلاف كل المواد، خرجنا أخيرا إلى برّ الأمان، واستقبلنا النّاس بوجوه البؤس والخوف والحاجة واليأس. رجالٌ بملامح دامِية، وبتجاعيد حفرت بخشونة أظفارها على محياهم، ضنك العيش، وعنف الطبيعة، عناوين لوجوه كثيرة اصطفت أمامنا تكتشفنا كأننا جئنا من كوكب آخر غير الأرض، رأينا الأطفال كم هم لا يشبهون أطفالنا، جميلون وحزينون جدّا، حزينون وإن ملامحهم ترغب في ابتسامة وفرح بشيء وفد عليهم، شيء ما وصل حتى ديارهم اكتشفهم وبدأ يوزع الحلوى عليهم.. كم كنّا بؤساء وكم كانوا تعساء !! تاركة، أو هذه المنازل المتناثرة هنا وهناك، كهوفا ومغارات، وراء جبال أزيلال القاسية، خلف مواسيم البرد الطويلة، يوجد شيء من الإنسان الآخر الذي يشبهنا تماما، لكنه وحده هناك يداري الحياة وحيدا، يقاوم، يتدبّر فلسفة العيش بفطرته، وما تصنعه يداه. هؤلاء، لا يحتاجون زيتا أو سُكّرا أو حليبا، لا يحتاجون دقيقاً مدعماً أو علب البسكويت، يريدون طريقاً توصلهم إلى مستشفى أو سوق أو قيادة أو مدرسة، يبحثون عن سرّ حملهم للبطائق الوطنية، يبحثون عن تعريف آخر، يفتّشون عن أبنائهم، كي لا يورثوهم البؤس واجترار المآسي والقساوة...يفتّشون عن منتخَبٍ وعدهم ذات انتخابات بفكّ العزلة، جلس فوق الأريكة، وتناسى وعدهُ، لكنّهم لم ينسوه...سيجدونه، سيرمونه بالحجارة عبارة لكل من سولت له نفسه أن يضحك على ذقونهم، وأن يتاجر بأحلامهم... لم نكن نعلم أن بشرا مثلنا تماما وديعون، كرماء، مثل هؤلاء يعيشون هذه الظروف اللإنسانية في مغرب 2015 الذي يتبجح بالرأسمال الرمزي واللامادي، ومواطنيه يعيشون في أسفل درجات العيش، لم نكن ندري أنّ بشرا بهذه الملامح التي تجلد فينا كل شيء لا يجدون طريقا يمرون منها لأكثر من موسمين معزولين تماما عن العالم في أقسى درجات أشكال الحصار، يموت الاطفال جوعاً ومرضاً، وتموت الحوامل تحسّراً وألماً، يموت الشيوخ مكابرةً وضُعفا، ويسقطُ الرّجال عجْزاً وحاجةً. رجعنا من تاركة، مثقلين بكل قساوتهم، محمّلين بكل آمالهم، يرسمون في الأفق طريقا وماءً وكهرباءً، ومدرسة ومستشفىً وهاتِفاً، يحلمون بوطنٍ عادلٍ يقسم كلّ خيراته بالعدل والإحساس بالمسؤولية العميقة تُجاه كل مواطنيه. عُدنا إلى ديارنا، وكلّ واحد فينا ينزف داخلا، هُناك شيءٌ فينا ومنّا تركناهُ في تاركة... ربورتاج: الأوركيد | قسم الإعلام