كلما ركلني حمار ليل ، أو مسني جنون من ملل أو كسل ، إلا وأجد " نفيستي " متسمرة أمام القناة الثانية ، تتابع ما شذ وخاب من برامج تكرر ما كررته بعض الدول العربية في قنواتها نقلا عن شاشات الغرب ، وطبعا لا يخلو تكرار التكرار عندنا من تشويه وتسفيه لم أجد لهما أي تشبيه .ومن بين تلك البرامج التي تتابعها " نفيستي " بشغف وتمعن وتركيز ، برنامج " الخيط الأبيض " لنسيمة الحر ، ولأنني كنت ولا زلت من المغرمين ب " العشق الممنوع " ، أحببت " الخيط الأبيض " ، وأحببت معه حله للمشاكل ولا مبالاته بفضح أصحاب تلك المشاكل أمام مريدي ومتتبعي وكارهي المشاكل ، ومع حبي له تولدت عند " نفيستي " فكرة الاتصال بنسيمة الحر ، وفعلا كان لنفيسة ما أرادت ، إذ بمجرد ما ركبت رقم البرنامج حتى لامس مسمعي نسيم النسائم ، وبدون أي تضييع للوقت أو تبذير للكلام ، طلبت مني النسائم أسباب رغبتي في تدخلها بخيط أبيض واسم من أريد مصالحته بذلك الخيط ، وقبل أن أجيبها ، أمرتني بالشروع في حكي مشكلتي حتى تقرر إن كانت تستحق التسجيل بالصوت والصورة أم لا ، فقلت بلسان من وجد نفسه أمام فرصة العمر وخاف أن يضيعها : أريد منك أن تتدخلي بخيط أبيض بيني وبين من أحب ، نعم لقد ازرداني منذ أن بحت له بحبي ، ورماني لكل مجهول بعدما لاحظ غيرتي عليه ، وعيرني بخيانته والتآمر عليه رغم شدة وصدق إخلاصي له ،وصدمني بمواقفه تجاهي غير ما مرة ، حتى إني من فرط ظلمه لي وقسوته علي فكرت في هجره غير ما مرة فما ستطعت لفراقه صبرا ، وما وجدت لنسيانه سبيلا ... يا " نسائم " لقد أوهمني بحبه صغيرا ، وضيعني كبيرا ، وأرغمني على الحياة وسط مفارقات وتناقضات ومضادات يستحيل العيش فيها أو التعايش معها، حتى أصبح التفاؤل معه ضربا من الجنون، وأمسى الحلم بكل جميل معه كابوسا يقض مضجعي ويؤرق بالي ، وكيف لا يؤرقني وهو المصر على العيش في ماض يرفض تقبل دعوتي له العيش في حاضر متحضر ، ويأبى النظر في تطلعاتي لمستقبل تجمعنا فيه المودة والرحمة والصفاء ، ولا يبالي بما يعرضه عليه المحبون أمثالي من أنواع وفنون اللباس العصري المناسب لستر عورته ورد الهجاء الذي نتلقاه كل يوم وليلة بسبب عشقنا له . نعم أعلم أنه ثمة " عامل بشري " تدخل فيما بيننا فحاول " تكريهنا فيه " و" تكريهه فينا " ، وأعلم علم اليقين أن هذا العامل البشري هو الذي جعل العلاقة بيننا وبين من نحب تبحث عن سكة الصواب فلا تجد إلا سككا معوجة خطيرة وطرقا محرفة قاتلة وسبلا مسيجة بأشواك مسمومة تنذر من اقترب من حدودها بسوء العاقبة وتتوعد من همّ بتجاوزها بالويل والثبور وبؤس المصير . خصامنا هو من بدأه ، وإن أنكر فاسأليه لماذا عدله جور يُنطق، وقضاؤه بالتمييز يدون، وعدالته لمن له صلة وصل بالفوق تنحاز، وإنصافه للضحايا من ضحايا جدد يستخلص ويستخرج،ولماذا يسرق فيه الفقراء فيؤخذون بالنواصي والأقدام، ويسرق خيراته الجلاد والزبانية مع سبق الإصرار والترصد فيكرمون أمام الخواص والعوام. ولماذا المواطن فيه متهم من غير براءة، والمعارض لصانعي القرار فيه مدان بلا تهم، والشريف خائن، والفاضل خلف قضبان السجون يلقى، والمناضل في المعتقلات ينسى، والمس بالمقدسات والإرهاب والإخلال باحترام واجب وتجاوز الخطوط الحمراء وتسفيه مجهودات الدولة وغيرها صكوك اتهام لمن قال “لا" أو فكر في قولها على ما لمن نحب من وجع التراب . لقد أردناه كما حلمنا به في الصغر ، يسيره أبناؤه لا الغرباء عنه، وتسري بأرجائه الشفافية والمساواة، ويسهر على خيراته وإيراداته وكنوزه كل ذي فضل مشهور بالثقة غير مشار إليه بأصابع الاتهام، ويحتكم فيه إلى قوانين يجمع عليها الكل وتراعي وترعى قبل كل شيئ مصلحة المواطنين ، وتنتهج فيه سياسات تبنى للمعلوم لا للمجهول تساهم في تنمية الأمة لا في نماء رصيد فرد أو ثلة أو فئة معينة، ويضرب فيه بيد من حديد على كل من يسعى في أرضه بالفساد والإفساد .... . وقبل أن أكمل ما أريد قوله ، أغلقت النسائم سماعة الهاتف في وجهي دون سابق إنذار أو تنبيه، ولأنني لست من العاجزين ، أعدت الاتصال بها من جديد حتى يتبين لها الخيط الأسود من الخيط الأبيض ، فأجابني صوت حزين : " لا يوجد أي وطن بالوصف الذي تطلبونه ... المرجو إعادة الحلم مرة أخرى " .