لعل أول ما يلفت انتباه الناظر في المسار التاريخي للدروس الحسنية الرمضانية هو استقطابها للعديد من العلماء المنحدرين من شتى أنحاء العالم، ممن اختلفت ألسنتهم وألوانهم بينما ائتلفت قلوبهم على عقيدة التوحيد ويمموا جميعا نحو قبلة واحدة. منهم أعلام في فقه الشريعة، وجهابذة في الفكر الإسلامي، ورجال دعوة ذاع صيتهم حتى سارت بذكرهم الركبان. وتناوب على إلقاء سلسلة هذه الدروس نخبة من ورثة الأنبياء الأفاضل من حجم العلامة المجدد أبي الأعلى المودودي، والشيخ أبي الحسن الندوي من الهند، والإمام موسى الصدر من لبنان، والشيخ محمد متولي الشعراوي من مصر، والشيخ محمد سعيد رمضان البوطي من سوريا، والشيخ محمد الحبيب بلخوجة الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي بجدة، والشيخ عبد الله بن عبد المحسن التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، والدكتور عصام البشير من السودان، والدكتور طه جابر العلواني من أمريكا…؟ والقائمة طويلة...
أسماء كفيلة بإثقال ميزان هذه المجالس العلمية وإحلالها المكانة التي تستحقها. حتى إن رئيس دولة المالديف "مأمون عبد القيوم" حرص على أن يضم اسمه إلى هذه الكوكبة من العلماء من خلال نيل شرف إلقاء درس في سلسلة الدروس الحسنية حول موضوع "الاجتهاد وضرورته الملحة لمعالجة القضايا المعاصرة"، وذلك بتاريخ 19 رمضان 1413 هجرية، الموافق ل13 مارس 1993.
ولعل ما زاد سمة العالمية هذه دلالة أعمق، هي انفتاح الدروس على كافة المذاهب الإسلامية المعتبرة، سنية كانت أم شيعية أم إباضية؛ بل إنها شكلت قبلة مفضلة للعديد من مشايخ الطرق الصوفية. الشيء الذي أكسبها أهلية غير عادية للإسهام في لملمة الصف الإسلامي المترهل بفعل عوامل الهدم الكثيرة التي أثخنت جسم الأمة بالجراح، وعملت على إذكاء نزوعات الفرقة والشقاق، ودأبت على نصب الحواجز النفسية بين مكونات الجسد الواحد التي بات بأسها بينها شديدا بعد أن استبدلت لغة الشجار بنهج الحوار.
نقطة أخرى جديرة بالإشادة في هذا الصدد، هي تلكم المتعلقة بالحضور اللافت لممثلي الأقليات الإسلامية في مختلف أنحاء المعمور؛ وهو ما يجعل المناسبة مواتية للاطلاع على أحوالهم والتعرف على حاجياتهم وتبين الظروف التي يمارسون فيها شعائرهم الدينية وكيف هي فرص الدعوة في بلدانهم.
وهنا لا بد من الإشارة إلى المبادرة الملكية الطيبة القاضية بترجمة سلسلة الدروس الحسنية إلى اللغات العالمية الرئيسة الثلاث: الإنجليزية والإسبانية والفرنسية، وبالتالي طبعها ونشرها مترجمة إسهاما من المملكة المغربية في إغناء المكتبات الإسلامية في البلاد الغربية بمادة علمية رصينة تشكل ذخيرة دعوية نفيسة.