دنيا أقوضاض لطالما كان للشباب المغربي دور مهم في الشأن السياسي خلال فترة المقاومة ضد المستعمر وبعد الاستقلال. وتعتبر السياسة من أهم الركائز التي تنظم العلاقات بشكل أساسي بين دول المعمورة ، فالسياسة مجموعة من الطرق والأساليب الخاصة باتخاذ القرارات من أجل تنظيم الحياة في شتى المجتمعات البشرية، بحيث تدرس إمكانات خلق التوافق بين كافة التوجهات ، سواء أكانت اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها. فلا يمكن لأية دولة الاستغناء عن السياسة، كما لا يمكن لمجتمع أن ينهض بدولته إلا بمشاركة الشباب في الحياة السياسة. الشباب هم الركيزة الأساسية لأي مجتمع ؛ ولا يقوى أي بلد على أن يتطور و ينمو ويستمر في طريقه إلى الارتقاء دون الشباب. ولا يخفى على أحد منا أن للشباب دور جد هام في المجال السياسي ، لكن من الواضح أن عزوفهم عن المشاركة في الحياة السياسية قد تحول إلى ظاهرة عالمية ، حيث سُجل فتور سياسي ملحوظ لهاته الفئة حتى بالدول الكبرى كالولايات المتحدةالأمريكية و فرنسا، كما هو الحال بالنسبة للمغرب، رغم توفره على نسبة مهمة من الشباب ( بين 15 و 24 سنة ) بلغت 11 مليون، أي ما نسبته 65% من مجموع السكان . فما هي الدوافع وراء عزوف الشباب المغربي عن العمل السياسي ؟ وما هي الاسباب الرئيسة التي كانت دافعا في عدم مشاركة الشاب في الحياة السياسية بالمغرب ؟ إن تمعنا في النظر الى الظاهرة، سيكون من الضروري تصنيف عواملها إلى ثلاثة عوامل أساسية : أولها العامل الاجتماعي المتمثل في تفشي الأمية في صفوف مختلف الفئات العمرية بالمجتمع المغربي ، هذا ما يجعل نشأة الشاب في محيط ضعيف اإلمام بالحقل السياسي سببا في زيادة حالة الإفلاس السياسي ، ناهيك عن فقدان الثقة في الأحزاب السياسية، فكان هذا العامل في مقدمة الاسباب التي أدت إلى تفشي الظاهرة التي توصف بالمقلقة. ويعتبر المواطن أن 90٪ من الأحزاب المغربية ما هي إلا دكاكين إنتخابية فارغة المحتوى، خصوصا مع استمرار تنامي الرشوة في العملية الإنتخابية التي تفقد المؤسسة الحزبية مصداقية عملها وتفقدها شرف مبدأي الشفافية و النزاهة . و ارتباطا بالعامل الاجتماعي، يأتي العامل الاقتصادي حيث التفاوت الملحوظ بين الطبقات الاجتماعية، فنجد أن شباب الطبقة الكادحة قد ذاقوا من الفقر مرارته، فيضطر إلى العمل خلال حملات الانتخابات مقابل راتب يومي بدل المشاركة تطوعا وعن قناعة في حزب معين، ومن جهة ثانية تعتبر البطالة القنبلة الموقوتة التي تبعثرت أشلائها في أواسط الشباب ، مما يخلف تنامي مشاعر الاستياء، فقد سجلت المندوبية السامية للتخطيط نسبة البطالة في صفوف الشباب البالغين من العمر بين 15 و 24 سنة إلى 25,7٪ سنة 2018 ، ليأتي في المقدمة أصحاب الشهادات الجامعية بنسبة من معدل البطالة التي بلغت 22,7٪ من أصل 25,7٪ . إن ضعف الاحزاب السياسية والتنظيمات السياسية الموجودة في الساحة من العوامل السياسة التي كانت دافعا قويا نحو ابتعاد الشباب عن العمل السياسي وعدم المشاركة فيه، فغياب التأطير الفعلي لأجيال المستقبل يمكن تفسيره بغياب التدبير الاستراتيجي للفعل السياسي ، حيث لازال الطابع التقليدي للعمل الحزبي/السياسي للكثير من المنصات السياسية يغلب على عملية استقطاب الشباب، ولا ننسى غياب للتكوين والتأطير الحزبي داخل أغلب الأحزاب وشبيباتها . إن غياب برامج إنتخابية واضحة المعالم موجهة لشريحة الشباب، كانت كذلك من العوامل التي زادت من اتساع الهوة بين الشباب والسياسة، حيث أن مجموعة من البرامج الانتخابية التي تتقدم بها الأحزاب السياسية لا تتوافق والواقع المعاش لكثير من الشباب، مما يجعلها غير قادرة على الاستقطاب أو نيل ثقة هذه الشريحة. لقد شكلت مجمل الأسباب السالف ذكرها نقاط سوداء أثرت أوتوماتيكيا على مشاركة الشباب في الساحة السياسية، لتولد لنا أزمة خانقة سيتجرع المغرب مرارتها في المستقبل القريب. فكيف السبيل الى الخلاص ؟ و ماهي السبل التي يمكن نهجها للخروج من أزمة أصبحت تدق ناقوس الخطر بالمغرب ؟ و هل يمكن للأحزاب السياسية تدارك الموقف لضمان استمرارية امتداداتها مستقبلا ؟ التفكير في الخروج من أزمة العزوف الشبابي عن السياسة أصبح ضرورة ملحة لا تقبل التأجيل ، خصوصا وأن الدولة المغربية بادرت إلى دعم المشاركة السياسية للشباب بتخصيص 10٪ من مقاعد مجلس النواب ط، كما نص دستور 2011 على توسيع مشاركة الشباب بتخفيض سن التصويت في الانتخابات إلى 18 سنة ، و نص كذلك على تيسير ولوجهم لميادين عدة كالثقافة والعلوم والسياسة عبر إنشاء مجلس استشاري لهم يضمن ثمثليتهم في تقرير أمور الأمة ، لكن هل تعتبر هذه الخطوات كافية لإدماج الشباب في الوسط السياسي ؟ إن رهان إدماج الشباب في العمل السياسي هو رهان على مستقبل المغرب، و صنع المستقبل يتطلب الكثير من الجهد و العناء، فلا يمكن بالبتة النهوض بمغرب الغد وشباب مغرب اليوم معزول تماما عن العمل السياسي ، لهذا وجب التعامل مع الوضع بعجالة . لقد أصبح لزاما على القائمين على الفعل السياسي بالمغرب اعتماد مقاربة جديدة من أجل استقطاب أكبر عدد من الشباب، مقاربة جوهرها ضمان تفعيل البرامج الانتخابية المسطرة والتي تلائم انتظارات المواطنين ، كما على الأحزاب أن تعيد إصلاح المنظومة السياسية وهيكلتها والإلتفات إلى الشبيبات الحزبية باعتبارها المدرسة التي تُكون وتأطر الشباب سياسيا واجتماعيا ، الأمر الذي سيمكن الشاب من استعادة الثقة بالاحزاب السياسية وتكون النتيجة استقطاب أكبر عدد من الشباب . وفي معرض الختام، يمكن الجزم بأن نجاح عملية استقطاب الشباب إلى الساحة السياسية يرتبط أساسا بنجاح إعادة هيكلة المنظومة التعليمية التي كانت ولاتزال تشكل مصنع اللبنات الأولى في بناء قناعات الفرد، كما أن نجاح ورش الإصلاح السياسي مقرون بإعادة هيكلة سياسة التأطير السياسي الحزبي، هذا من جهة. أما من جهة أخرى يأتي دور مؤسسات المجتمع المدني عبر التقرب من المواطن وتقريبه من السياسة بطريقة سليمة تشعر الفرد بالانتماء والمواطنة ، وتحرك فيه غريزة حب الوطن . وتلعب وسائل التواصل الاجتماعي حالياً دورا رئيسيا وفعالا في إيصال المعلومات أقل ما يمكن القول عنها أنها فائقة السرعة، فيمكن استغلالها من قبل الشبيبات الحزبية لعرض أنشطتهم وبرامجهم وتشجيع الشباب على الانخراط في الحياة السياسية، كما من الممكن استغلال منصات التواصل الاجتماعي لتغيير الفكرة السوداوية التي في مخيلة باقي الشباب عن السياسة المغربية . وصفوة القول، علينا بمناشدة جميع المواطنين عامة، و الشباب خاصة، للمشاركة في العمل الحزبي/ السياسي ، وكذا للمشاركة في بناء صرح شبابي سياسي متماسك البنية وجعل المغرب دولة سائرة في درب النجاحات في جل الميادين.