إذا ما أقبل شهر ربيع الأول، تواترت من القلب لوعات تهيج الأشواق، وتَعِدُ كثير التحنان لذكريات النبي العدنان صلى الله عليه وسلم بموعد قريب في الجنان، وكما لكل محب ليلاه، ولكل ساهر قمره، ولكل مهموم هم مُشغِله، فشغل أحباب الله في ذكره جل علاه، وكيف لا يكون ذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم قربى وزلفى وهو القائل صلوات الله عليه وسلامه للصحابي إذ يستفسره“كم أجعل لك من صلاتي؟..فكلما ذكر له قسطا أجابه “ما شئت..وإن زدت فهو خير لك”.. زيادة الصلاة زيادة خير ..زيادة تعلق..زيادة تشرب.. وهي خير للذاكر في الدنيا نورا وفي الآخرة دخولا في أهل النجاة..اللهم اجعلنا منهم بفضلك وكرمك. وكيف لا يرقى من يفرح بمولد حبيب الله صلى الله عليه وسلم وقد أقسم الله عز وجل بعمره الشريف في كتابه قال عز وجل لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون قال ابن عباس رضي الله عنهما: ” ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفسا أكرم على الله من محمد صلى الله عليه وسلم وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره”. حياة أقسم بها الجليل سبحانه عز وجل ألا يهتبل المؤمنون لها بذكر أحداثها وتسطير أيامها عطرا مسكيا يأخذ منه الصغار والكبار فيتشربون حب وتعظيم الحبيب صلى الله عليه وسلم، فيعم بذلك النور الأمة جمعاء، طمأنينة وهداية ووقاية وكفاية،ذكره نور، وحبه نور، والسير على طريقه سير على نور، يهدي الله لنوره من يشاء. تحل الذكرى الشريفة لتجدد معاني الارتباط بالجناب الشريف، ولتتمتن صلة أحبابه به فتجلي صور الفرحة عما يعتلج في صدر المحب من تقدير وتعظيم للمبعوث رحمة من رب العالمين . هاهي ذي السيدة آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم تحكي رؤيتها لنور خرج منها عند ولادته أضاءت له قصور الشام، قال ابن رجب: وخروج هذا النور عند وضعه إشارة إلى ما يجيء به من النور الذي اهتدى به أهل الأرض وزال به ظلمة الشرك. قال عز وجل: قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم [المائدة 15.16] وإلى مثل هذا أشار العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وهو يستأذن الحبيب صلى الله عليه وسلم ليمدحه في حضرته، قال: يا رسول الله إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَمْتَدِحَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” قُلْ لا يَفْضُضِ اللَّهُ فَاكَ ” , فَقَالَ الْعَبَّاسُ: مِنْ قَبْلِهَا طِبْتَ فِي الظِّلالِ وَفِي مُسْتَوْدَعٍ حَيْثُ يُخْصَفُ الْوَرَقُ ثُمَّ هَبَطْتَ الْبِلادَ لا بَشَرٌ أَنْتَ وَلا مُضْغَةٌ وَلا عَلَقُ بَلْ نُطْفَةٌ تَرْكَبُ السَّفِينَ وَقَدْ أَلْجَمَ نَسْرًا وَأَهْلَهُ الْغَرَقُ تُنْقَلُ مِنْ صَالِبٍ إِلَى رَحِمٍ إِذَا مَضَى عَالَمٌ بَدَا طَبَقُ حَتَّى احْتَوَى بَيْتَكَ الْمُهَيْمِنُ مِنْ خِنْدِفَ عَلْيَاءَ تَحْتَهَا النُّطُقُ وَأَنْتَ لَمَّا وُلِدْتَ أَشْرَقَتِ الأَرْضُ وَضَاءَتْ بِنُورِكَ الأُفُقُ فَنَحْنُ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ فِي الضِّيَاءِ وَسُبْلِ الرَّشَادِ نَخْتَرِقُ. شهر المحبة قد أتى ولها براهين ودلائل وأولها الفرح، من ذا الذي لا يستبشر بمقدم شهر يحمل لنا عبق الذكرى في زمن الفتنة فإذا هي حاضرة يتسامر بها أهل الوفا في مجالس الصفو والوصل، يتدارسون الوصف الشريف، والملمح اللطيف والوصية الجامعة والآثار الواضحة، فتعمر القلوب يقينا، وتتحمل أعباء الأمانة مستعينة بما قرأته وسمعته من جهاده صلى الله عليه وسلم وبذله وسلامه على من يأتون بعده واصفا إياهم بقوله “إخواني” اللهم اجعلنا من إخوان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال محب : واعلم بأن من أحب أحمدا لابد أن يهوى اسمه مرددا في ميزان الجزاء لا شيء يعدل حب النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم إلا معيته وصحبته ورفقته، يخبره الصحابي الجليل بحبه له فيجيبه المحبوب الصادق الأمين، نبي الرحمة، نبي التوبة، الماحي، الحاشر فيقول بأبي هو وأم اللهم أدخلنا في زمرة أهل محبتك ومحبة نبيك صلى الله عليه وسلم.