« الحراك المتحرك » أو المسيرة على الأقدام كشكل احتجاجي ليست خاصية مغربية لكن بصفة عامة داخل التراب المغربي تمثل المسيرة على الأقدام في شكلها الاحتجاجي خاصية للهامش القروي. وفي جميع الحالات تؤسس المطالب على منسوب من القيم المادية مثل المطالبة بوسائل النقل (مسيرة احتجاجية على الأقدام للمطالبة بخطوط جديدة للنقل المزدوج لساكنة أغير نومعرض بأزيلال) أو بالكهرباء ( مسيرة مشيا على الاقدام لساكنة دوار عين الذيب التابعة للجماعة القروية اولاد ستوت نحو مقر العمالة بالناظور) أو بإصلاح الطريق (مسيرة دواوير تابعة ترابيا لجماعة عين عائشة وجماعة أولاد داود صوب مقر عمالة تاونات) أو بوقف التطاول على أراضي الجموع (مسيرة احتجاجية سيرا على الأقدام من الجماعة القروية سيدي الحسن « تاوريرت » صوب الرباط) أو بمرافق صحية ( مسيرة تماسينت لأزيد من 27 كلومترا مشياً على الأقدام باتجاه مقر دائرة ايث ورياغل). ومع توالي مسيرات الاحتجاج طرأت بعض التحولات على الأشكال النضالية وفئات المنخرطين والمشاركين في المسيرات دون تغير في نوع القيم أو الانتقال إلى مطالب ترتكز على قيم غير مادية مثل المناصفة أو حرية المعتقد. أولى التحولات التي تم رصدها هي التي همت مسيرة دوار ماكصت التابع لجماعة ناوور نحو القصيبة حيث تميزت بكونها مسيرة على الأقدام قامت بها مجموعة من النساء وأطفالهن قطعن حوالي 40 كلم للمطالبة بربط منازلهن بالماء والكهرباء وتعبيد الطريق المؤدية لدواويرهن وبناء قنطرة لرفع العزلة المضروبة عليهن. ثاني التحولات تمت إلى موضوع المطالبة بالموارد الطبيعية لا سيما منها الماء حيث تم الانتقال من مطالب تهم البنيات والحاجيات المجتمعية إلى مطالب طبيعية تهم حياة الأفراد وبقائهم مثل الماء فأصبح للمسيرة عنوان « مسيرة العطش » (مسيرة دوار تازروت التابع لجماعة أيت سغروشن بإقليمتازة سيرا على الأقدام في اتجاه فاس أو مسيرة المئات من سكان 5 دواوير بضواحي وزان من جماعة « المجاعرة » بمنطقة » عين دريج » أو مسيرات إقليم زاكورة وتاونات والجديدة وصفرو (مسيرة ساكنة «أيت السبع الجروف» التي قطعت حوالي 30 كيلومتر للوصول إلى مقر عمالة اقليمصفرو ). كما ينهل هذا الشكل الاحتجاجي من طبيعة العلاقات الاجتماعية السائدة في الدواوير التي تنبني على التضامن والتماسك فيصبح معه السير على الأقدام إحياء وتقوية للرابط القبلي واللغوي والثقافي وتعبيرا عن الهوية الترابية وعن المصير المشترك. ويبدو داخل هذه الدينامية المجالية فعل التحرك و »المسير » و »المشي » (حراك متحرك) صوب الآخر « المسئول » هو الصيغة الملائمة للتعريف بحجم المعانات والتحاور الجماعي والترافع المباشر والعفوي على المطالب والحاجيات . كما تجدر الإشارة إلى أن الوعي الحقوقي لدى ساكنة الهامش أعاد النظر في مفهوم الكرامة في علاقته بالشعور ب »الحكرة » المجالية وكذلك بالإحباط الجهوي وما ينبغي الانتباه إليه هو أنّ المسيرات على الأقدام لا يؤطّرها فاعلون منظمون وبالتالي لا يمكن للمركز ضبطها وذلك لاعتمادها على نسق حقوقي يرتكز على أنَّ الاندماج المحلي هو أساس الاندماج الوطني. وهذا النسق تؤكده المعطيات الرقمية الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط التي تشير إلى غياب التوزيع العادل للثروات بين جهات المملكة، فالمعطيات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط سنة 2014 أقرت أنّ الفرْق في معدّل الفقر بين الجهات يصل إلى حوالي 12 في المائة مما يمكن اعتباره مؤشرا إلى أنّ هناك « ريعا جهويا »، إذ لا تنال كل جهة حقّها، ومن ثمّ تتعمّق الفوارق المجالية بين الجهات في ما يخص فرص الشغل وتوفر وسائل المواصلات وجاهزية المرافق الصحية وفاعليّة مؤسسات التأطير الإداري. و يبدو أن الوعي الحقوقي لدى ساكنة الهامش يقابله تضخّم خطابات الفاعلين سواء الحكوميين أو المدنيين حول نموذج التنمية المحلية. فإذا كانت حاجيات ومتطلبات المواطنين تظل دون إجابات مُقنعة ولا تُترجم على أرض الواقع فإنّ المسيرات على الأقدام كشكل احتجاجي تعبر على أن الفوارق المجالية تنجُم عن غياب المرافق الصحية أو البنيات التعليمية وكذا نُدرة الماء وغلاء المعيشة وانتفاء بعض الخدمات الاجتماعية مثل خدمة النظافة وتحسين أداء المرفق العمومي. لهذا ستبقى المسيرات على الأقدام والحراكات المتحركة قائمة في المغرب مادامت السياسات العمومية لم « تعالج » الحكرة المجالية ولم تستجبْ لمنظومة القيم المادية المنشودة من طرف المواطنين والساكنة ولأنَّ الوعي بالتنمية المحلية والمجالية وكذلك بمقومات العيش الكريم أضحى وعيا متقدما عند الساكنة سواء في الجماعات الترابية ذات المؤهلات والإمكانيات الاقتصادية أو تلك التي تفتقدها.