عبر الكاتب والمفكر السياسي عبد الإله بلقزيز، عن امتعاضه من الجو السائد في البلدان العربية، خلال الجلسة الختامية لمؤتمر « فكرنا في القرن الأخير » المنضوي تحت كرسي الحضارة الإسلامية والمشترك الإنساني، يوم الأحد 24 مارس 2019، بالعاصمة الرباط. وأفاد المفكر المغربي في معرض حديثه، أنه لا حل لمواجهة (التشرذم) التفكيك والتجزئة إلاّ بإنتاج مشروع وطني جامع، وأن الرد على التفكيك العربي لا يمكنه أن يكون فقط ردا سياسيا، وإن كان كذلك فيجب أن يكون ردا مبنيا على ثقافة سياسية. من جهة أخرى، قال المفكر السياسي، « إن ما نراه في الإعلام اليوم، يعكس الوضع المتردي والكلام المنحط الذي يطلعنا على نوع الثقافة المنحطة التي تجوب في مجتمعاتنا »، مضيفا إنه لا بد من مشروع وحدة قائم على حامل سياسي محصن بفكرة وإلا كان أعمى، وهو ما يقضي مشروع ثقافي توحيدي، « لا بد من توليد مشروع إنساني ثقافي انصهاري مبني على العقل يزود الأمة برؤية واضحة ». وتحدث بلقزيز، عن التجزئة السيكسوبيكاوية كما سماها، إذا كانت قد اشتغلت في مجتمعاتنا الجغرافية السياسة العربية برمتها على قاعدة فصل جماعات وطنية عن بعضها البعض، كان يجمعها نسيج قومي وديني جامع فأنتجت الشعب الذي تطابقه الدولة القُطْرية، فإنها اليوم لا تشتغل على مادة اسمها الشعب، بل على مادة ميكروسكوبية اسمها العصبية. وأن نجاح النموذج الأمريكي الصهيوني قام على أساس دمج مجموعات مختلفة من المهاجرين القادمين من مختلف الثقافات الإثنية والدينية وغيرها، وإدخالها في نسيج جماعي. وذكر المفكر السياسي، أنه « لم يكن الوطن العربي وحده موضع الفعل التقسيمي الذي قامت به البلدان الغربية الاستعمارية خلال الفترة الفاصلة بين الحرب العالمية الأولى إلى يومنا هذا، وإنما مُورِسَ التقسيم عينه على كيانات كثيرة في العالم من الهند إلى افريقيا، وأننا الوحيدون الذين قاومنا بشموخ واستمرار هذه المؤامرة التقسيمية في كل مراحل تاريخنا الحديث، ولا شك في أن نخبا وقوى اجتماعية وسياسية كثيرة في بلادنا العربية تواطأت مع الأجنبي واستفادت من هذه القسمة الضيزى التي فعلها بنا، وبالتالي كانت شديدة الحرص على هذه التجزئة، بالأظافر والأسنان، لأن حراسة التجزئة هي حراسة لمصالحها، لكن هذه الفئات لا تمثل شعوبنا ولا مجتمعاتنا. وأن هناك قطاعات أخرى من مجتمعاتنا من تيارات ومشارب مختلفة قاومت وناضلت بشراسة هذه التجزئة غير معترفة بهذه الواقعة الكيانية الجديدة التي أحدثها فينا الغزو الكلونيالي الأجنبي ». وأضاف أن الوحدة الشعورية وحدها غير كافية، ويجب أن تترجم إلى مشرع كيان اقتصادي مادي سياسي ثقافي. ذاكرا حنكة الرسول الرجل الكريم معتبرا إياه القائد الاستثنائي في ملكاته، قاد مشروع توحيدي، وأنه مؤسس الأمة بإدراكه أن الأمة لا يمكن أن تبني حضارة وآفاق إلا بالتوحيد، هو نبي وقائد تاريخي سياسي عظيم. وقال عبد الإله بلقزيز، إن المشروع الاشتراكي والليبيرالي لم ينجح، كلنا فاشلون لأن كل واحد حمل قضيته واعتبر قضايا الآخرين غير مشروعة. وقال « لمن التبس عليه أمري هل أنا قومي أو إسلامي أو ليبيرالي أو اشتراكي مجيبا، أنا هؤلاء جميعا. أنا قومي لأنني مدافع عن وحدة الأمة ضد التجزئة، وإسلامي لأنني مدافع عن الموروث الحضاري للأمة، وليبيرالي أدافع عن الحرية والديمقراطية والدستور، واشتراكي لأنني أدافع عن عدالة اجتماعية. فمن قال إن هذا المطلب أقدس من غيره، نحن لم نحقق أحد هذه المطالب حتى نجُّب إحداها ».