حكم الجزائر منذ استقلالها عن فرنسا وحتى الآن 7 رؤوساء، بالإضافة إلى 3 رؤوساء مؤقتين في عدة مراحل انتقالية، وقد اختلفت نهايات هولاء الزعماء على كرسي الحكم، واختلفت مصائرهم بين الاستقالة والاغتيال والإقالة، والانقلاب، وواحد فقط منهم بقي « رئيسا » حتى آخر لحظة من حياته. ويعد أحمد بن بلة أول رئيس ل « بلد المليون ونصف المليون شهيد » بعد الاستقلال عام 1962، إذ امتدت ولايته من 15 أكتوبر 1963 إلى 19 يونيو 1965، وكان من أشدّ المعجبين بالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، الذي كان يتمتع آنذاك بسمعة جماهيرية عربية واسعة، ولذلك اتصفت فترة حكمه بالسعي إلى توطيد عروبة الجزائر، مصنفا نفسه كقومي عربي وداعم للقضايا العربية وضمن دعاة وحدة المغرب الكبير. وانقلب عليه وزير الدفاع هواري بومدين بعد نحو عام من الحكم، وجرى حبسه في فيلا بمنقطة شبه معزولة ولم يسمح لأحد بزيارته، ولم تجد التدخلات التي قام بها رؤساء الدول الذين كانت تربطهم بابن بلة علاقات صداقة نفعا في الإفراج عنه. وعن فترة اعتقاله التي استمرّت 15 سنة، قال أحمد بن بلة أنّه استفاد من أجواء العزلة واستغلّ أوقاته في المطالعة والقراءة حيث بدأ يتعرف إلى الفكر الإسلامي وغيره من الطروحات الفكرية. وقد تزوجّ وهو في « السجن » من صحافية جزائرية. وعندما وصل الرئيس الشاذلي بن جديد إلى السلطة العام 1980 أصدر عفوا عن بن بلة، حيث غادر الجزائرمتوجها إلى باريس ومنها إلى سويسرا في منفى اختياري حتى توفي عام 2012. وبعد الانقلاب، أصبح هواري بومدين ثاني رئيس للجزائر ليستمر جالسا على كرسي الرائسة حتى وفاته في 27 دجنبر 1978، وبذلك يكون ثاني أكثر رئيس حكم البلاد بمدة تجاوزت 16 عاما. وعن فترة حكمة يقول الأكاديمي الجزائري خالد عمر بن قفة: « هناك اتفاق ضمني يرقى إلى درجة اليقين من أنه زعيم وطني مخلص، عرفت الجزائر في عهده أزهى فترة في تاريخها منذ الاستقلال لجهة استقلال قراراتها وعزة شعبها وتطلعه نحو مستقبل أفضل ». وبشأن دوره في حرب أكتوبر 1973، قال الرئيس الراحل أنور السادات إن جزءاً كبيراً من الفضل في الانتصار الذي حققته مصر في حرب أكتوبر – بعد الله عز وجل – يعود لرجلين اثنين هما الملك فيصل بن عبد العزيز عاهل السعودية والرئيس الجزائري هواري بومدين ». ومن أشهر أقوال بومدين بشأن قضية العرب المركزية: « الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة »، و »هل الأمة العربية مستعدة لبذل الثمن الغالي الذي تتطلبه الحرية؟ وأن اليوم الذي يقبل فيه العرب دفع هذا الثمن لهو اليوم الذي تتحرر فيه فلسطين ». وعلى الصعيد الداخلي، قاد بومدين بحسب الكثير من الخبراء ، ثورة صناعية وأخرى زراعية في البلاد، مما أدى إلى انتعاش الاقتصاد في كثير من المجالات، كما دعم سياسة التعريب في البلاد، وجعل الجزائر مرتبطة أكثر بالعالم العربي على المستوى الثقافي والاجتماعي. بعد وفاة بومدين، استلم القيادي في جبهة التحرير الوطني، رابح بيطاط، الحكم مؤقتا لمدة 45 يوما، إلى أن آلت مقاليد الحكم إلى الشاذلي بن جديد والذي حكم البلاد لمدة 13 عاما تقريبا. ونفى الشاذلي بن جديد في مذكراته « ملامح حياة »، أن يكون قد انتمى يوما إلى الجيش الفرنسي، وأكد أنه التحق بالثورة سنة 1955 جنديا بسيطا، كما يتهم الرئيس الأسبق أحمد بن بلة بإشاعة هذه المعلومة الخاطئة، حيث يقول « أحمد بن بلة هو من روّج لفكرة انتمائي للجيش الفرنسي ». بعد انهيار أسعار النفط سنة 1986 واشتداد الأزمة الاقتصادية في البلاد، خرج الجزائريون في مظاهرات في الخامس من أكتوبر 1988، نادوا خلالها بضرورة رحيل الحزب الواحد الحاكم، وأُرغمت السلطة على إجراء إصلاحات عجّلت بمجيء الديمقراطية وفتح المجال أمام الحريات السياسية والإعلامية. وفي يناير 1992 ابتعد بن جديد عن الحياة السياسة، إذ تضاربت الآراء بشأن فيما إذا استقال بملء إرادته أو أنه أجبر على الاستقالة من طرف المؤسسة العسكرية، ليتوفى في 6 أكتوبر عام 2012، في مستشفى عين النعجة العسكري بالعاصمة الجزائر. وكانت العشرية السوداء أو « الحرب الأهلية » قد بدأت في البلاد مع استقالة الشاذلي، وإلغاء الجيش لنتائج الانتخابات البرلمانية عام 1991بعد أن أعلنت « الجبهة الإسلامية للإنقاذ » التي تصدرت النتائج، أنها ستكون آخر انتخابات تشهدها البلاد بحجة إقامة « حكم شرعي ». وعقب تنحي بن جديد، استلم عبد المالك بن حبيلس رئاسة البلاد مؤقتا، كما حكم البلاد مجلس أعلى للدولة في حالة استثنائية، قبل أن تؤول الأمور إلى القيادي المخضرم في جبهة التحرير الوطني محمد بوضياف الذي عاد من منفاه في المغرب. وكان بوضياف قد ولدة في 1919 بمدينة المسيلة، واغتيل بمدينة عنابة في 29 يونيو 1992، ولقب بالسي (السيد) الطيب الوطني، وهو اللقب الذي أطلق عليه خلال الثورة الجزائرية باعتباره أحد كبار رموز تلك الثورة. وكان بوضياف قد عاد إلى البلاد بعد غربة دامت 27 عاما، وعندما نزل بالجزائر صرح قائلا: « جئتكم اليوم لإنقاذكم وإنقاذ الجزائر وأستعد بكل ما أوتيت من قوة وصلاحية أن ألغي الفساد وأحارب الرشوة والمحسوبية وأهلها وأحقق العدالة الاجتماعية من خلال مساعدتكم ومساندتكم التي هي سرّ وجودي بينكم اليوم وغايتي التي تمنيّتها دائما » . وجرى تنصيبه رئيسا للمجلس الأعلى للدولة في 16 يناير 1992 لمجابهة الحرب التي دخلتها البلاد غداة إلغاء المسار الانتخابي، وبينما كان يلقي خطابا بدار الثقافة بمدينة عنابة يوم 29 يونيو من نفس العام رمي بالرصاص من قبل أحد حراسه الملازم مبارك بومعرافي. وبعد أقل من أسبوع على اغتياله، شكلت لجنة تحقيق في تلك الجريمة، لكنها لم تظهر إلا في مناسبة واحدة عندما عرضت شريطا يصور ما حدث لحظة الاغتيال، ثم اختفت بعد ذلك. وتم اتهام بومعرافي رسميا بالاغتيال واعتبر ذلك منه تصرفا فرديا معزولا، وقدم للمحاكمة وحكم عليه بالإعدام، لكنه لم ينفذ فيه. عقب اغتيال بوضياف، تولى الحكم بصورة مؤقتة رئيس مجلس الدستوري الأعلى علي الكافي، وبعدها قام وزير الدفاع اليمين زروال بتسيير شؤون البلاد طوال المرحلة الانتقالية منذ 30 يناير 1994. ويعد أول رئيس للجمهورية انتخب بطريقة ديمقراطية في 16 نونبر 1995 والتي تقول المعارضة أنها انتخابات مزورة، وفي 11 شتنبر 1998 أعلن الرئيس زروال إجراء انتخابات رئاسية مسبقة وبها أنهى عهده في 27 ابريل 1999. وعاد نهاية عهدته إلى منزله المتواضع في مسقط رأسه باتنة، كما تنازل عن سيارة فخمة من طراز مرسيدس وفيلا بالجزائر العاصمة، وينقل عنه قوله بعد أن طلب منه بعض أنصار الترشح لانتخابات 2009: « لست طامعا في منصب مسؤولية، لكنني اعتبر نفسي ابن هذا الشعب وإذا كان الشعب بحاجة إليّ فإنني مستعد لتلبية ندائه ». وعقب اندلاع الاحتجاجات الأخيرة التي أدت إلى استقالة الرئيس بوتفليقة، قال زروال: » ككل الجزائريين شعرت بفخر كبير لما شاهدت ملايين الجزائريات والجزائريين يطالبون بجزائر ديمقراطية بحماس ووعي شرّف الأمة وأعطى عن الجزائر وشعبها صورة كريمة بشأن تطلعاته التاريخية ».