تجر، غدا الخميس 24 شتنبر 2020، مقابلة الديربي بين فريقي الوداد والرجاء البيضاويين، والتي تأتي في ظروف استثنائية بسبب حالة الطوارئ الصحية، الأمر الذي سيفرض غياب الجمهور رغم أهميتها في السباق نحو اللقب، مما يعني غياب الاحتفالية والفرجة التي ظلت تؤثت أحد الديربيات الأكثر شهرة في العالم؛ باعتراف المعلقين والصحفيين الرياضيين في العالم. وبهذه المناسبة نقوم بنشر الترجمة العربية لمقال نشرته اذاعة فرانس الثقافية بتاريخ 20 غشت 2020 على موقعها (franceculture.fr) حول آخر ديربي بين الفريقين في إطار منافسات البطولة العربية "محمد السادس"، وهو المقال الذي ينضاف إلى التغطية الإعلامية الكبيرة التي عرفتها هذه المقابلة عبر أرجاء العالم والتي تبرز أن الديربي البيضاوي هو حدث/ظاهرة يستحق لوحده الدراسة. ولا بأس في هذه المقدمة من إثارة بعض التأملات التي يستدعيها هذا الديربي الظاهرة. * ما هو سر القدرة التنظيمية الهائلة لدى الجماهير البيضاوية بغض النظر عن الفريق الذي تسانده؟ * من هي النخبة التي تقود هذه التظاهرة الجماهيرية وتتمكن من ضمان انخراط الأعداد الهائلة من الجماهير والمشجعين؟ * كيف يتم الوصول بشكل تلقائي من طرف المشجعين إلى تصور مسبق ومدروس للاستعراضات والتيفوات والأغاني والشعارات وتنفيذها بشكل جماعي بكل دقة والتزام؟ * كيف يتم توفير التمويل الضروري وجمع مساهمة المنخرطين والمتبرعين ونفس الأمر بالنسبة لتوفير المعدات والآليات والأدوات. * متى يتم انجاز التداريب لإنجاح اللوحات الفنية في المدرجات وتوزيع الأدوار على عشرات الآلاف من الجماهير (القطع الصغيرة للوحات)؟ * كيف يتم التحكم في التوقيت إنجاز اللوحات الفنية وضمان انضباط عشرات الألاف من الجماهير ؟ * ويبقى التساؤل الأخير والكبير هو إذا ما كانت هذه الجماهير ذات المشارب الاجتماعية المختلفة أقادرة على أن تقوم بتنظيم مثل هذا العمل الفني الدقيق وبهذه الجمالية الفائقة ؛ فلماذا ينحصر هذا الأمر عند مباراة لكرة القدم ولا يتخطاه إلى أنشطة اجتماعية وثقافية وبيئية وربما سياسية….؟ الدارالبيضاء: الديربي* الأكثر جنونا في العالم؟؟؟ هذه هي كرة قدم، وهو واحد من الدربيات الأكثرإثارة في العالم: نادي الوداد الرياضي ضد نادي الرجاء الرياضي في الدار البيضاء. مباراة تحرك المدينة كلها قبل كل مقابة وتفرض اختيارأحد المعسكرين: الأحمر والأبيض (الوداد) أو الأخضر والأبيض (الرجاء). ديربي الدار البيضاء يغلي! تتوقف الحياة في المغربب أكمله أثناء مباراة الوداد الرجاء. لا فائدة من الذهاب إلى العمل أو الدراسة أو التفكير في شيء آخر. إنه أولاً حفل كرة القدم، وفرصة للمغالاة من طرف المناصرين… فطيلة الأسبوع الذي يسبق المباراة تذكي قنوات التلفزيون التوقعات حول من سينتصر هذه المرة… في انتظار الدربي القادم! المباراة تلعب أيضاً في المدرجات تتضاعف القصاصات الإخبارية في الأيام التي تسبق اللقاء. كل الأمور تصلح للرفع من الضغط والزيادة في نسب المشاهدة إلى أن تنطلق المباراة! إلا أنهبالدار البيضاء في أغلبالأحيان،يكون المشهد الأكثر إثارة للإعجاب في المدرجات وليس في رقعة الملعب. "الألتراس"*(مجموعات المشجعين المتفانين) تقوم بكل شيء ممكنمن أجل الفوز بمباراة المشجعين. الدخان بشتى الألوان واللافتات والأغاني و"التيفوات"المذهلة (لوحات تعبيرية منسقة يشارك في عرضها المشجعون ) … يستعمل كل يمكن أن يحقق الفوز بالمباراةالتي تجري بالمدرجات. ويمكن تصوير هذه المشاهد من جعلهاتطوف جميع أرجاء العالمبفضل الشبكات الاجتماعية. للأسف، مباشرة بعد انتهاء المباراة تحدث اصطدامات عنيفة بين مجموعات الألتراس وتتراشق بالحجارة فما بينها أحيانا. وغالبا ما ينتهي يوم الدربي بين الوداد والرجاء بالعنف والاشتباكات والإصابات والاعتقالات. إلا أنه لحسن أيضا، فإن هذه الاشتباكات لا تخص إلا أقلية؛وما يبقى عالقا بالذهن هو الخيال الإبداعي للجماهير بالمدرجات : عرض فني لأكثر من 70 ألف متفرج يتابعه عدد كبير من المشاهدين عبر الشاشات. تاريخ الناديين بدأ في عهد الحماية الفرنسية بدأ تاريخ النيديان في عهد الحماية الفرنسية بالمغرب والحقبة الاستعمارية للثلاثينات والأربعينات. النادي الأقدم هو نادي الوداد الرياضي، الذي نشأ في 8 مايو 1937، وكان ناديا متعدد الرياضات عند تأسيسه. ويعود أصل تسميته (الوداد) إلى أن أحد مؤسسيه الأربعة،الحاج محمد بنجلون حضر متأخرا يوم الاجتماع المخصص للتأسيس؛ لكونه كان قد ذهب إلى السينما لمشاهدة فيلم للمطربة المصرية الكبيرة أم كلثوم، و قد أسره غناء أم كلثوم إلى درجة انه أطلق على النادي اسم الفيلم "الوداد"، أي الحب، ليصبح نادي الوداد (الحب) الرياضي. ولأنه في زمن الحماية الفرنسية، كان يحظر على المغاربة السباحة في حمامات السباحة بالقرب من ميناء الدار البيضاء، تم التفكير في إنشاء هذا النادي الجديد بأغلبية من المنخرطين المسلمين واستعماله لتمكين المغاربة من ولوج المسابح. وهو ما حدث فعلا بعد أن استجاب الجنرال الفرنسي المقيم "نوغس" إلى الطلب الذي قدمه نادي الوداد في هذا الصدد. ورغم أن أغلبية منخرطي الوداد كانوا من المغاربة المسلمين، فإن النادي كان يضم أيضا فرنسيون ويهود، ولم يكن من بين12عضوا بالمكتب المسير سوى 6 من المغاربة المسلمين. وبفضل منحه حق استعمال مسابح وسط المدينة، تمكن نادي الوداد الرياضي من إنشاء فريق لكرة الماء في عام 1937 ، ثم نادي كرة السلة في عام 1938 وفريق كرة القدم في عام 1939. يحافظ النادي حاليا على جزء من تركيبته البرجوازية المنتمية إلى وسط المدينة، حيث يوجدأعضاء المكتب المسير الذين يشغلون مهناً حرة كالأطباء والمحامون والتجار إلخ… النادي المنافس " نادي الرجاء الرياضي" تأسس في 20 مارس 1949. ويلعب باللونين الأخضر والأبيض، وهو يتمتع بدعم أكبرفي أحياء الطبقة العاملة، إذ تم إنشاؤه من طرف نقابات الاتحاد المغربي للشغل المتواجدة بمنطقة درب سلطان. ويذكر أنه من أجل تأسيس نادي الرجاء البيضاوي فقد اجتمع الأعضاء في مقهى "الوطن" بدرب السلطان. الرجاء البيضاوي يعتبر أكثر ميولا إلى اليسار. كما أنه بفعل تأسيسه من طرف نقابيين فهو جد مساند للقضية الفلسطينية. وغالبا ما يقوم أنصار الرجاء برفع الأعلام الفلسطينية بالملعب. ورغم كل هذه المنافسة فالناديين عرفا نفس المدرب الكبير: "الأب جيغو". مدرب واحد بصم على تاريخ كلا الناديين ولد محمد بن لحسن " عفاني عام 1900 في تونس وتوفي عام 1970. "الأب جيغو" الذي ينحدر من عائلة من التجار الأثرياء الذين استقروا في الدار البيضاء، متعدد اللغات ويتحدث سبع منها: العربية والأمازيغية والفرنسية والإسبانية والبرتغالية والإنجليزية… تلقى تعليمه بالمدرسة اليهودية بالدارالبيضاء قبل أن يذهب للعمل في أحد البنوك بباريس في العشرينات حيث اكتشف هنالك كرة القدم! أصبح صحفياً رياضياً وكتب في "لو بيتي كازابلنكي"؛ لكن شغفه كان أقوى فأصبح مدربا للوداد وتمكن من أن يكون بطلا خمس مرات مع الحمر والبيض. جعل الوداد يلعب وفق النمطالخاص للعب البريطاني المعتمد على الصرامة والقوة الجسمانية والفعالية. وكان كل شيء يسير على ما يرام عام 1952، فإذا ب"الأب جيغو" يغضب من قادة الوداد، من دون معرفة حقيقية بالسبب. وفي عام 1953، التحق بنادي الرجاء! بمجرد وصوله، سيغيرمن أسلوب لعب الرجاء بالكامل ليجعل منه فريقا يلعب بنمط أمريكا الجنوبية: لعب يعتمد على المهارات التقنية ؛ كان قد اكتشفه بهذه القارة خلال واحدة من رحلاته العديدة وتحركاته في جميع أنحاء العالم المخصصة لكرة القدم. وعندما كان"الأب جيغو"يسأل عن أي الناديين يفضل كان جوابه: "قلبي يذهب إلى الوداد، لكن الرجاء يرمز إلى صلابة شخصيتي". أماالدربيات فقد انطلقت منذ استقلال المغرب بأول لقاء عام 1956 وفوز الرجاء بحصة 1-0 ليثأر الوداد لنفسه عام 1957 بحصة 3-0. منذ ذلك الحين، أجريت 127 مباراة في دوري البطولة: 35فوزا للرجاء و61 تعادلا و31 فوزا للوداد. أما مباريات الكأس فالنتائج متوازنة نسبياً أيضاً: 14 دربياً، 6 للرجاء، 3 تعادلات و5 للوداد. يشارك الناديان حاليا في المسابقات الدولية: دوري أبطال الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم وكأس محمد السادس للأندية العربية. هذه البطولة الأخيرة حيث تميزت بمباراة فائقة الروعة بين الوداد الرجاء. فعلى بعد عشر دقائق من النهاية كانت النتيجة 4-1 للوداد ولكن في نهاية المباراة كان الرجاء قد استدرك النتيجة وتأهل بحصة 4-4! ويا لها من فرجة! برونو كادين– فرانس كيلتير