يقتضي الأمن القانوني أن يدرك الافراد دون كبر عناء ما هو مباح وما هو ممنوع من طرف القانون المطبق للوصول إلى نتيجة معينة، ويتعين أن تكون القواعد المقررة واضحة ومفهومة وألا تخضع في الزمان إلى تغييرات متكررة أو غير متوقعة أخذا بمبدأ الثقة التي تعد عنصر من عناصر الأمن القانوني، و بالنظر إلى ضرورة إيجاد الطمأنينة في العلاقة بين الفرد والدولة و وضع فلسفة واضحة من خلال بيان دقيق للأهداف المطلوبة من النصوص القانونية . و تشترك عدة جهات في ضمان الامن القانوني المطلوب بدءا من المشرع الذي يضطلع بوظيفة وضع قواعد غير قابلة لاثارة الالتباس أو التأويل قدر الامكان، و انتهاء بالمؤسسات الموكول اليها التطبيق السليم للقانون، و التدخل عند اللزوم لتفسير مقتضى معين عن طريق المراسيم و المناشير، أو الاجتهاد عندما يكون القضاء معنيا بتطبيقها بمناسبة الفصل في النوازل. والنيابة العامة باعتبارها مكونا من مكونات السلطة القضائية المستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية، أصبحت منظمة بالقانون رقم 33.17 المتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة، و قد طفت على السطح منذ صدور القانون المذكور احتكاكات ومناوشات فرضها الواقع الجديد ومستلزمات الاستقلالية، بعد تكرار الشكوى من وزارة العدل بخصوص تدبير الإدارة القضائية والامتعاض من رفضها تمثيلها في آلية التنسيق بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ووزارة العدل بلغت حد استلزام استصدار اذن للحضور في بعض الانشطة التي يدعى اليها قضاة. وظهرت مؤخرا شكوى أخرى تروم الابتعاد عن سلطة المجلس الاعلى للسلطة القضائية، والتمسك بتغييب دور المجلس الأعلى للسلطة القضائية في مراقبتها، وخلال هذه التجربة القصيرة من عمر هذا المولود ، لابد من الاقرار بظهور بعض التصدعات في مرفق العدل ، نتيجة الشد و الجذب بين مكوناته ، انعكس بشكل واضح على الامن القانوني و القضائي المطلوبين لتحقيق المرفق لاهدافه ، وتتجه النيابة العامة أكثر فأكثر الى نزع ثوب القضاء عنها و أخذ تموقعها بالقرب من مؤسسات وزارة الداخلية. و قد ظهر ذلك جليا من خلال دورية السيد رئيس النيابة العامة مؤخرا المؤرخة في 14/01/2021 ، التي أشار فيها الى أنه و بعد مراسلته من طرف المدير العام للامن الوطني فقد اتخذ قرارا بمنع اسناد الطيات القضائية والتبليغات المدنية الى جهازي الشرطة و الدرك رفقا بهما للاعباء الجسيمة التي يتحملانها في محاربة الجريمة، و هو ما يعني الاحجام عن تنفيذ قرارت المحكمة في هذا الشأن، بايماء من وزارة الداخلية، حالة من حالات اهدار الامن القانوني من طرف النيابة العامة عايشتها بحكم مهنتي هو توجه جديد للنيابة العامة بابتدائية الناظور أكدته حتى النيابة العامة باستئنافيتها، يعلق تطبيق مسطرة الاكراه البدني بالنسبة للديون الناجمة عن الواجبات الكرائية المتعلقة بالمحلات المعدة للسكن او الاستعمال المهني على ارفاق الطلب باشهاد بعدم الطعن بالتعرض والاستئناف في الامر القضائي بالمصادقة على الانذار و الامر بالاداء ، وهو ما يعني أن النيابة العامة تقر بحق المكتري في الطعن بالتعرض و الاستئناف في هكذا أوامر و هو توجه يخالف صريح النص و قصد المشرع من خلال القانون رقم 67.12 المتعلق بتنظيم العلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري للمحلات المعدة للسكنى أو للاستعمال المهني الذي ميز بين حالة الرفض ، التي لا تقبل أي طعن عادي أو غير عادي ( الفصل 28) و حالة القبول التي سن لها مسطرة خاصة تسمح للمكتري في حالة قبول الطلب أن يرفع النزاع أمام المحكمة الابتدائية طبقا لنفس القواعد ( الفصل 29) ، و هو ما يعني عدم امكانية سلوك أية مسطرة أخرى للطعن ، كما يتطاول على اختصاص السيد قاضي تنفيذ العقوبات، و يطعن في مصداقية المشرع ،الذي يسعى دائما الى ارساء قواعد متناسقة واضحة لا تقبل الازدواجية في منهجية الطعن تسهيلا لعمل الممارسين و المتقاضين، و اقرار الحق في الطعن بالتعرض و الاستئناف في مواجهة هذه الاوامر من شأنه دفع الاطراف الى ممارسة طعون غير مجدية لن يقبلها القضاء حتما، و في ذلك هدر للزمن القضائي ولمصالح المتقاضين و لدور النيابة العامة المصاحب لعمل القضاء الجالس. و يبدو أن اختيار النيابة العامة التحليق بعيدا عن السلطة القضائية في غياب أي اطار تنسيقي بين مكونيها الاساسيين سيوقظ المخاوف التي رافقت النقاشات التي سبقت القانون 17.33 فالممارسة والتطبيق يشهدان على تدخل النيابة العامة في الأعمال ذات الصبغة القضائية، و أن الاهداف المنشودة لم يتم بلوغها ، ولم تكرس سوى امتياز قضائي بدون محاسبة ولا رقيب، في غياب آلية قانونية و قضائية تسمح بالطعن في قراراتها و تصويبها كما تم الوعد بذلك في مشروع قانون المسطرة الجنائية الذي لم ير النور بعد ، و عدم الحسم في مسألة اعتبارها ذات طبيعة ادارية ام قضائية ، سيدفع ثمنه المتقاضون و المهنيون و العدالة بصفة عامة ببلادنا ،و سيؤثر على الامن القانوني و القضائي صمام الامام في النظام السياسي للدولة..