من اليوم فصاعدا، لن يسمع مرتادو قلب مدينة تطوان، والمارون أمام المحطة القديمة "خينسيا" وكذلك المتوجهون نحو ساحة مولاي المهدي "الخاصة" نداءات "هالحالوا.. هالكوكو". التحق عمي عبد السلام الملقب بالطنجاوي صاحب النداء وبائع الحلوى بالرفيق الأعلى، وترجل عن الدنيا وهو في عقده التاسع مصرا حتى آخر أيام حياته على كسب لقمة عيشه، مناديا بفمه من أجل بيع الحلوى وبلسان حاله "لست أنا بعد هذا العمر من أطلب من الناس المساعدة.. أستطيع كسب قوتي بيدي". كان المشهور بين المارين أمام المحطة القديمة، خفيف الظل محبوبا بين من يشتري ومن لا يفعل، يلحن مناداته ويدندنها بصوته الذي يحيلك إلى سنوات من كفاح اللقمة الحلال. باع لسنوات طوال، حلويات مشهورة بين سكان الحمامة البيضاء ذات المسميات الإسبانية، "ميديوبولو.. باسطيلي.. بيشكتو"، رغم علمع بتناقص زبنائه يوما بعد يوم إثر طوفان محلات الحلوى الكبرى، واختلاف الجيل الذي عايشه خلال "الزمن الجميل". وهكذا، توفي أقدم وأشهر بائع متجول للحلوى في تطوان، مخلفا وراءه ذكرى جميلة وسيرة طيبة وقلبا صالحا، أحبه الناس وسيفتقدون إطلالاته اليومية، قد يعتادون بعد مدة على المرور أمام مقره دون سماع نداءاته، لكنها لن تكون مدة قصيرة. ولا يصح في الأخير إلا أن نقول إنا لله وإنا إليه راجعون، عاش بالحلال ومات كريما مكرما، وحزن الناس على وفاته وكتبوا ونكتب، وما هي إلا كلمات قليلة في حق سيد من أسياد الزمن الجميل.