تأتي إلى ساحة أوطا حماما بالشاون و تسرح الطفلة المشردة.. المشردة التي تبلغ نحو 15 سنة تتحش وتغيب عن هذا العالم.. من أين جاءت ؟ من أوصلها إلى الشاون بهذه الطريقة؟؟ ماهي قصة المشردة التي فقدت عقلها و تعيش في المدينة عيشة قطة مريضة منسية. حين تسأل أهل المدينة تسمع قصصا مختلفة عن المشردين و المرضى الذين يتيهون في مدينة السيدة الحرة .. هناك من يقول أن المستشفى المحدود الامكانيات لفظهم إلى الشارع.. هناك من يقول أنهم قدموا من مدن و مناطق أخرى مثلما تأتي أي بضاعة مهربة دخيلة. القصر الكبير كانت مدينة معروفة بمجانينها..طبعا لم يكن نصيبها من رحم المدينة فقط.. كانت القصر الكبير الضيعة المنسية التي ترمي فيها جهات أخرى مجانينها و مشرديها في المناسبات الرسمية الكبرى. حين يزور رئيس دولة صديقة العاصمة يزداد عدد المشردين في القصر الكبير.. ما يقع في الشاون الآن و في غيرها من المدن يسائلنا جميعا عن " الاوراش الكبرى" التي فتحت منذ عام 2000 فكانت نتيجتها ارتفاع عدد الفقراء و المرميين في الشارع كأنهم كلاب مجروبة مصابة بالطاعون يبعدون على الأربعين.. وزير الصحة الطبيب أعترف في تصريح سابق له أن المغاربة غالبيتهم مرضى نفسانيين ..أكثر من نصف السكان يعانون خللا نفسيا ظاهرا و باطنا.. الاسباب يعرفها الطبيب و منها الوضع الإجتماعي . طبعا المشعوذون و الدجالون و النصابون و أصحاب الرقية الشرعية و الإذاعات الخاصة التي تحولت الى مصحات متعددة التخصصات لهم في مصائب قوم فوائد.. هي فرصة لربح المال على حساب مرض شعب مهدود.. مثل البقر تكاثر أصحاب الرقية الشرعية و غابت الدولة عن علاج المواطنين المرضى النفسانيين لأنها لا تعتبر مرضهم مرضا.. هو قدر من الله..و قراءة فقيه مشعوذ للقرآن فوق رأس المريض يكفي لإصلاح ما أفسده الدهر..و لا داعي لحبوب أرتان و هالدول و نوزينان. زرت مستشفى ابن النفيس للأمراض النفسية في مراكش ضمن وفد رسمي يجمع أطباء و نشطاء جمعويين و مسؤولين في مجالس ترابية..و رأيت أين كان يرسم عباس صلادي الفنان الذي رسم الكتبية على شكل حيوان أسطوري.. الماريستان لا يسعف المدينة طبعا..و جانب منه كان مجرد معتقل . زرت بني مكادة مرارا و تكرارا في طنجة..عرفت في تلك السنوات الحقيرة أطباءه و مرضاه و الحارس العام و الممرضين..طبيب كان يأخذ الأظرفة في النهار و يوزعها في الحانة في الليل..كم مرة شاهدته في الحانة لكنه لا يتذكر وجهي. الطبيب و المعلم لا يتذكر وجوه كل مرضاه و تلاميذه.. زرت مستشفى الرازي و كان الأفضل مقارنة مع المعتقلات المنسية الوسخة.. أقفل "بويا عمر" بقرار من الوزير..وهذه حسنة تسجل له لكن الإغلاق وحده غير كاف..البلد في حاجة إلى مستشفيات لعلاج الشعب المريض نفسيا. المساجد وحدها لا تكف للعلاج. المرض مسألة عادية و عابرة..في فنلندا أخذ رئيس الوزراء عطلة عن عمله الحكومي الدائم. كان السبب حاجته إلى الراحة النفسية بعد ديبريسيون. في مغربنا يعالج السياسيون الإكتئاب بالبكاء و النحيب في التجمعات. العثماني طبيب نفسي و رئيس حكومة ..هل يصدق عليه المثل: " كن كان الخوخ يداوي كن داوا راسو". أشعر بالإرهاق النفسي أيها الطبيب. أريد حبة زيبام. واحدة لي و الثانية لك. و الباقي يوزع على الشعب كله.