سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
سوف يبنون كاتدرائية نوتردام من جديد، لكن من يخمد نارنا نحن! ما يصعب ترميه هو هذا الخراب في أدمغتنا. وهذا الهيكل البشري المحطم. وهذا ا الرماد الذي صرنا إليه نحن المغاربة
سوف يبنونها من جديد. سوف يرممون كاتدرائية نوتردام. وسوف تعود كما كانت. لكن الأخطر هو هذا اللهب الذي شب في رؤوسنا. لكن المخيف والذي يصعب إخماده هو هذه النار التي تشتعل في عقولنا. ولا أمل في إطفائها. والذي يصعب ترميمه هو هذا الخراب في أدمغتنا. وهذا الهيكل البشري المحطم. وهو هذا الرماد الذي صرنا إليه. نحن المغاربة. ونحن العرب. ومن ذكائنا. ومن موتنا. اعتبر كثير منا أن الحريق الذي شب في تلك الكنيسة التاريخية مؤامرة. وكتب أحد مداويخ العدالة والتنمية أنها بفعل فاعل. وذلك من أجل جمع المال. وأن النار مخطط للدولة الفرنسية للخروج من أزمتها. وأنها حيلة من حيل”رأسمالية الكوارث”. هكذا. هكذا. ودون أن يرف له جفن كتب ذلك. كما استغرب دكتور مغربي من اهتمام المغاربة بهذا الحريق. بينما لم يثرهم إحراق مواطن دنماركي للمصحف. والنيران التي اندلعت في سطح المسجد الأقصى. ولم يحرك مشاعرهم القصف الأمريكي لمكتبات بغداد. ولولا ضيق الوقت. ولولا الحرج. لذهب إلى المغول. ولولا السياق. لتحدث عن نيرون وعن روما. نعم. نعم. هذا ما يقوله دكتور مغربي. ومنذ أن صار دكتورا وهو ينظر للهب وللحروب الصليبة. وفي كل شيء يرى حربا. ويريد أن يشعلها. أما العوام. أما تعليقات القراء. فمعظمها نار على نار. وفيها غضب إلهي. وفيها كل أنواع المؤامرات. وفيها لهب الحقد. وفيها جهل كثير. وفيها إرهاب. وتجعلك تفزع من حجم حريقنا. حريقنا الذي لن يخمده ماء. حريقنا الشامل الذي نقدم له الحطب والقش كي يزداد اشتعالا. وتحاول أن تفهم السبب الذي دفعهم إلى كل هذا التشفي. وهل لأنها كنيسة. وهل لأنها فرنسا. فلا تعثر على جواب. وتراهم يتميزون غيظا لأن الكون كله تابع هذا الحريق. ولا يعجبهم ذلك. ويحتجون عليه. وحتى النار يناقشونها ويؤولونها ويؤدلجونها. ويستكثرون على نورتدام اهتمام العالم بها. وينددون بالاهتمام باللهب. وينددون بمتابعته. ويبحثون عن فاعل. ويستحضرون الدين. ويقارنون بين الحرائق. النيرانيون. الذين التهمت نار التطرف إنسانيتهم. بينما هي مجرد نار. وحادث. كان يمكن أن يتعرض له مسجد. أو كنيس. أو معبد بوذي. أو ناطحة سحاب. أو عمارة سكنية. أو مول. أو غابة. ولأنها معروفة. ولأنها نوتردام. ولأنها معلمة تاريخية. وسياحية. ولأنها جميلة. ولأنها في الأدب. وفي السينما. وفي الفن. ولأننا في عصر اللايف. والهواتف المزودة بالكاميرات. فقد تابعنا الحريق. واهتممنا به. وتأسفنا. كما تأسف العالم كله. وكما تأسف الكفار والمؤمنون. وكما بكى الكاثوليك. وفي الماضي. وبعد الثورة الفرنسية. اقتحم الثوار الملاحدة كاتدرائية نوتردام. وطردوا منها القساوسة. وغيروا اسمها. ولقبوها بكنيسة الحرية. وأزالوا الأيقونات. وتماثيل العذراء والمسيح. ووضعوا بدلها تماثيل فولتير وروسو. لكن ورثتهم العلمانيين تأثروا هم أيضا يوم أمس. وهالهم الحريق. وشعروا بالألم. وشعروا بالحزن. لكل ما يرمز إليه هذا الصرح. ولأنه تحفة معمارية فنية بالأساس. قبل أن يكون كنيسة. وقد أخمد رجال الإطفاء نار نوتردام. وسوف يرممونها. وسوف تعود كما كانت. لكن من يرممنا نحن. من يطفىء هذه النار التي تزحف وتأتي على الأخضر واليابس ولا تترك ذرة عقل فينا إلا وحولتها إلى رماد إلى أن أصبحنا هشيما يغري النار. وتذروه الرياح. وينشب حريق في باريس فنشتعل نحن وننفث لهبا من مناخيرنا ومن أفواهنا مثل التنانين. ونكشف للجميع حجم بشاعتنا. وحجم أمراضنا وأننا الخطر القادم والنار الكبرى.