طالما ارتبط ذكر اسم نادي الجيش الملكي بالألقاب والبطولات المحلية منها والقارية، لدرجة أن كثيرين ربطوا مستوى المنتخب بحال الفريق "العسكري" بالدوري المغربي، إذ غالبا ما كان لاعبوه يُكوِّنون النواة الأساسية للفريق الوطني خلال سنوات المجد والتألق بالقارة "السمراء". ورغم تشكيك بعض متتبعي الشأن الرياضي بالمغرب في أحقية الألقاب التي كان يحصدها الفريق خلال ستينيات، وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، بالنظر لتعاقب جنرالات بالجيش الملكي على رئاسة النادي وقرب هذا الأخير من القصر، إلا أن ذلك لم يقلل شيئا من الوضعية التاريخية والمؤثرة للفريق داخل منظومة كرة القدم الوطنية. الجيش الملكي أو الجمعية الرياضية للقوات المسلحة الملكية ورغم انتمائه إلى الدوري المغربي ومشاركته في بطولة تضم أندية أخرى من شمال المملكة وجنوبها، غير أنه ظل مميزا عن باقي الفرق بانغلاقه على نفسه وتعتيمه على ميزانيته السنوية وحجمها وطرق تدبيرها داخل أسوار "الثكنة الرياضية". وكما عاش الفريق "العسكري" الأمجاد في هدوء تام، لم يتغير الحال والنادي يتراجع ويتقهقر مقارنة مع باقي الأندية الوطنية منذ سنوات، لتظل أصوات عاشقي ومناصري النادي بعيدة عن أجواء الفريق، محاطة بأسوار وعراقيل تمنعهم من معرفة ما يدور بكواليس زعيم.. يَحتَضِر. من صَنَع ألقاب الأمس؟ يُعدّ الجيش الملكي من أكثر الأندية الوطنية تتويجا بالألقاب المحلية والإفريقية إلى جانب كل من الوداد والرجاء، حيث يملك أكبر عدد من كؤوس العرش، وكان أول الأندية الوطنية تذوقا للألقاب القارية بتتويجه برابطة الأبطال سنة 1985.. تاريخ وضع الفريق "العسكري" ضمن كبار الأندية الوطنية عن جدارة. "حمدي" أو محمد الأنماطي، أحد أبرز اللاعبين الذين جاوروا الجيش في عز أيامه يروي ل"هسبورت" أن مجد الفريق وتاريخه صنعه اللاعبون بانضباطهم وتفوقهم البدني على باقي الممارسين في الدوري، مؤكدا أن اللاعبين حينها كانوا محفزين من قبل إدارة النادي، التي كانت تضمن لهم مناصب بعيدة عن عالم المستديرة، وهو ما دفع الكثيرين إلى بذل مجهودات جبارة. عميد "العساكر" لفترة من الزمن أكد أن الفريق كان يستفيد من خبرة المدربين الذين تعاقبوا على قيادته والذين كانوا ينهجون خططا جديدة، نافيا كل ما يروج حول أن مأمورية الفريق كانت تبدو سهلة مع تدخل مسؤولي النادي لفسح المجال أمام اللاعبين. "قرب المسؤولين عن النادي من الفريق وحضورهم المستمر للتداريب، متابعتهم الدقيقة لكل التفاصيل واحتياجاته عن قرب، كلها أسباب جعلت الجيش الملكي في تلك الصورة القوية التي ارتقت به إلى زعامة الأندية الوطنية في كثير من الفترات" يضيف حمدي. وأضاف اللاعب السابق للجيش الملكي، أن تفوق الفريق في مراحل معينة على باقي الأندية الوطنية نتاج عمل كبير كان يقوم به المكتب المسير للنادي بقيادة رؤسائه، المرحوم الكولونيل المهدي بلمجدوب والجنرال حسني بنسليمان، مشيرا في الوقت نفسه إلى العقوبات القاسية التي سلطت على النادي في فترات مختلفة دون أن يحتج مسؤولو الفريق تفاديا لأي تشكيك أو شيء من هذا القبيل. قَلعة "العساكر" المُوصَدة يعد نادي الجيش الملكي بانتمائه للقوات المسلحة الملكية قلعة عسكرية موصدة وصعبة الاختراق، إذ وعلى الرغم من الهيكلة الصحيحة للنادي على غرار باقي الأندية الوطنية بتوفره على مجموعة من اللجان الخاصة بفرع كرة القدم، إضافة إلى توفره على مجموعة من الفروع الأخرى، إلا أن ميزانية النادي وكيفية صرفها واستخدامها للنهوض بمستوى الفريق من قبل المكتب المسير يبقى شيئا غامضا في ظل تزايد المصاريف دون تحقيق شيء يذكر. وكان الدعم الذي يتلقاه النادي من خزينة القوات المسلحة الملكية لا يتجاوز طيلة سنوات كثيرة 25 مليون درهم (2,5 مليار سنتيم) سنويا، في أحسن الحالات، قبل أن يتم توزيعها على كل الفروع، كما لا يستفيد من عائدات الإشهار، واضطر في بعض الأحيان إلى الاقتراض قبل التواصل بالدعم المادي. ومن بين العوامل التي تجعل الفريق العسكري أكثر عزلة وانغلاقا على نفسه، خوضه للتداريب اليومية بالمركز الرياضي للقوات المسلحة الملكية إلى جانب باقي الفروع، وهو ما يعني ابتعاده عن الجمهور والإعلام بالنظر لوجوده الدائم في "ثكنة رياضية". كما أن قيادته من قبل مسؤولين يتقلدون مناصب عليا و"حساسة"، يجعل الوصول إلى أحدهم وسؤاله عن أوضاع الفريق أو السبب في تراجعه مقارنة مع السنوات السابقة أمرا محسوما مسبقا بالرفض. أيْن الزَّعيم..؟ يعيش النادي الأول للعاصمة منذ سنوات أحد أسوأ فتراته على مر التاريخ، باحتلاله لمراكز متواضعة، وذلك رغم سياسة جلب النجوم وكثرة التعاقدات التي تبناها النادي خلال السنوات الأخيرة، دون النجاح في استعادة زعامة سُلِبت منذ مدة. أحد لاعبي الزمن الجميل للجيش الملكي وفي حديث مع "هسبورت"، طلب عدم الكشف عن اسمه، لكنه كشف عن أمور اعتبرها رئيسية في تراجع مستوى النادي مقارنة مع فريق القرن الماضي، ومن بينها "ابتعاد المسؤولين في النادي عن الفريق وتركه وحيدا، ناهيك عن تغيير بعض الأسماء وتعويضها بأسماء لا تفقه كثيرا في التسيير وعالم المستديرة". المتحدث نفسه تكلم عن انسلاخ الجيش الملكي من هويته "بالنظر إلى نوعية اللاعبين الذين بدؤوا في حمل القميص الرباطي، عكس الماضي، حيث كان للاعب الجيش الملكي مواصفات خاصة، بدنيا وتقنيا، ومن حيث انتمائه إلى المؤسسة العسكرية". عِشقٌ مع وَقْف التّنفيذ يعاني مناصرو الفريق "العسكري" الأمرين في سبيل تشجيع ناديهم المفضل، إذ لا يستثني الحصار المفروض على الفريق جمهوره الذي يحلم بمتابعة ناديه المفضل على مدار الأسبوع والاطلاع على كل خباياه وتحميل المسؤولية لأصحابها في حالة إخفاق معين. وجربت الفصائل المشجعة للنادي والجمعيات كل الوسائل لإيصال صوتها للمسؤولين من أجل فتح قنوات الاتصال معهم وتقريب النادي إليهم، لكن دون جدوى، ما دفعهم للاحتجاج بقوة عبر مواقع التواصل لعدم استجابة المسؤولين لمطالبهم. ورغم المطالب الكثيرة والمتتالية للجماهير التي نادت بتعزيز التواصل معها عبر صفحات التوصل الاجتماعي، إلا أن قرار إدارة النادي القاضي بالاكتفاء بوضع جديد الفريق في الموقع الرسمي فقط تفاديا للتصادم مع بعض التعليقات المسيئة، ظل صامدا. وأسهم تردي نتائج الفريق منذ مواسم طويلة في سخط الجمهور "العسكري" على مسيري النادي، حيث اتهمهم في أكثر من مناسبة في السير بالفريق إلى الهاوية، بدل العمل الجاد والبحث عن استرداد لقب "الزَّعيم".