صراحة إذا أردنا أن نكتب عن يوميات الشباب العاطل في مجتمعنا,سنقول إنه يوم واحد فقط يتكرر فيه فعل البارحة ليصبح هو نفسه الحاضر وربما المستقبل أيضا لا قدر الله. يبدأ نهاره بفطور مرير على مائدة العتاب و "النكير" من العائلة والجملة المعرفة "نوض سير تقلّب على الخدمة", يشرب قهوته بسكر زيادة لعلها ترفع ضغطه وينفجر,أو تزيد من نشاطه لينهض ويرتب أوراقه ويجمع شتات أفكاره المتفرقة التي بعثرها في ليلة مليئة بالأحلام حيث كان يبني ويهدم في الوقت نفسه, الى أن يحلّ الصباح دون أن يغمض له جفن,وتنام عينه التي تظل طوال اليوم مفتوحة,تراقب من بعيد أقرانها ممن ابتسمت لهم الحياة,وتمكنوا من الظفربالحلم القريب البعيد. صديقنا "البطالي" جمع شواهده و أوراق إعتماده في ملف أبيض لعله يلقى القبول ويزرع في نفسه شيئا من التفاؤل ,وكأنه مسافر خارج أرض الوطن,رجع وتأكد من وجود أكثر من 20 سيرة ذاتية "سيفي" في الملف لأنه قرر أن يدخل إحدى المناطق الصناعية في المدينة,ويزرع فيها ال 20 سيرة ذاتية دفعة واحدة, دون أن يلمح حتى اسم الشركة,أو يسأل عن نوع الوظيفة,المهم عنده هو أن يجد عمل والسلام,لأنه ملّ من انتظار فرصة الحصول على وظيفة تاريخية طال انتظارها وفي المجال الذي درس وتعلّم فيه,لأنه وببساطة "معندوش الواسطة " ,هذه الكلمة التي للأسف تُعبرعن واقع مؤلم وحقيقي ,فهي تلغي حقا وتُحق باطلا,إنها فساد بالتأكيد ينخر جسد المجتمع,وهي أيضا تعتبر بمثابة اعتداء على حق الغير وعلى أسس العدالة والمساواة وتكافئ الفرص في الشغل ,فنجد ممن ليس لديهم شواهد وتحصيل جيد في الدراسة وصلوا إلى مناصب إدارية ومراكز مهمة,وكنتيجة لهذه الآفة يفقد المواطن ثقته بالمؤسسات والشركات وأجهزة الدولة المختلفة, كما تُضعف القيم الأخلاقية و تتراجع التنمية داخل المجتمع بصفة عامة. يعود صديقنا الى المنزل بعدما صال وجال أرض الله الواسعة يوزع أمنياته على الشركات والمؤسسات ولكل من يصادفه في طريقه, أملا في أن يحصد يوما مازرعه,إلى ذلك الوقت,تبقى أذنيه في أتمّ الإستعداد لسماع رنّة الفرج من هاتف لا يحمل من المعنى إلا الإسم ,فأحيانا يرنّ فيقفز صديقنا من مكانه طائرا ليجد في النهاية أنها ماهي إلا رسالة من إحدى شركات الإتصال,تدعوه فيها إلى التعبئة قبل نفاذ مدة صلاحية بطاقته,فيضحك في صمت,فالفرح مؤجل حاليا إلى وقت آخر,وعليه يبقى الحال على ماهو عليه,وهو يشجع نفسه ويقول"دوام الحال من المحال" إن شاء الله تُفرج.