مرّت 43 سنة على أول محاولة للانقلاب العسكري على الملك الراحل الحسن الثاني، انقلاب فاشل لم ينتهِ مع محاكمة المتورطين فيه، وإنما استمرت تداعياته لينتج عنها انقلاب فاشل آخر في السنة الموالية، ثم محاولة للثورة الشعبية سنة 1973، فسعيٌ من الحسن الثاني لتقريب المعارضة منه بعدما تأكد أن حالة الاستثناء لسنة 1965 لن ينتج عنها إلا محاولات حثيثة للإطاحة بحكمه. قاد انقلاب الصخيرات الذي انطلق من الثكنة العسكرية ب"أهرمومو"، رجلان قويان في الهرم العسكري: محمد المذبوح، ومحمد اعبابو. خططا للانقلاب بكثير من الدهاء، واستطاعا الوصول إلى القصر الملكي بالصخيرات، إلا أن اللحظات الأخيرة لم تكن كما أرادا، فقد انتهى انقلابهما بشجار عنيف بينهما، وعوض أن يستلم أحد منهما مقاليد السلطة يوم 10 يوليوز 1971، قُتل الاثنان معاً في سيناريو لا زال يثير الكثير من الأسئلة. في زيارة سابقة لهسبريس لمدينة "أهرمومو"، التقينا ضابطين سابقين سُجنا بعد محاولة الانقلاب، قبل أن يفرج عنهما، إدريس منوار، والحبيب الذخير. وقد حكيا لنا أن غالبية تلاميذ الثكنة العسكرية بالمدينة لم يكونوا على علم بمخطط مدير المدرسة محمد اعبابو الراغب في الانقلاب على الملك، خاصة وأن سمعة اعبابو كانت طيبة، واستطاع أن يجعل المدرسة واحدة من أفضل المدارس العسكرية في شمال إفريقيا. قبل تاريخ محاولة الانقلاب، تم إخبار التلاميذ بمناورة عسكرية بالحاجب، كان هدفها غير المعلن هو اغتيال الملك، إلا أن اعبابو تراجع عنها. وفي التاسع من يوليوز، أتت أوامر اعبابو بمناورة عسكرية ببنسليمان، لتنطلق شاحنات الجنود من الثكنة، محملة بالرشاشات الثقيلة والمسدسات والقنابل وما إلى ذلك. إلا أنه بعد الوصول إلى منطقة بوقنادل، تغيّرت التعليمات من الاستعراض إلى إنقاذ حياة الملك بقصر الصخيرات. كان الملك الحسن الثاني في ذلك اليوم يحتفل بذكرى عيد ميلاده الثاني والأربعين، وكان قد دعا مجموعة من الشخصيات المحلية والأجنبية إلى قصره بالصخيرات: كان الجو ارستقراطيا داخل القصر، حيث كانت الموائد ممتلئة بأصناف الطعام، والفرق الموسيقية تعزف الألحان، وبعض المدعوين يلعبون الغولف، حتى دخلت شاحنات الانقلابيين. تواجد الجنرال محمد المذبوح، رئيس الحرس الملكي، في القصر خلال تلك اللحظات، وحسب ما أورده بعض الضباط الذين عاينوا العملية، فالجنرال تَوتّر بشكل كبير لتأخر وصول القوات القادمة من "أهرمومو"، ويقال إنه أرسل إلى محمد اعبابو يطلب منه تأجيل العملية ما دامت القوات قد تأخرت، بالتالي يكتفِ الجنود بالمناورة العسكرية ببنسليمان، إلا أن اعبابو رفض ذلك، وهو ما أدى إلى تصاعد لغة الشك بين الرجلين. بدأ إطلاق النار بعد دخول القوات العسكرية إلى القصر الملكي، رغم أن مخطط المذبوح كان يقتضي تطويق المكان دون إطلاق النار ودفع الجميع إلى الاستسلام قبل مباشرة سلسلة من الإعدامات، إلا أن شكّ اعبابو جعل الرصاص الحي ينطلق بشكل عشوائي، ولم يعد الضباط قادرين على كبح جماح تلامذتهم، لا سيما وأن الكثير منهم كانوا يطلقون النار ويصرخون "عاش الملك". لماذا أراد اعبابو والمذبوح القيام بالانقلاب؟ ربما أن العودة لسيرة الرجلين قد تجيب على هذا السؤال، ونبدأ بالأول، فقد كان اعبابو رجلاً عسكرياً من أعلى طراز، تأثر بالانقلابات العسكرية التي سادت في تلك الفترة وأراد أن يصنع واحداً منها بالمغرب، كان طموحاً بشكل كبير، وهو ما زكاه إدارته لمدرسة عسكرية وهو لم يتجاوز الثلاثينيات من عمره، وقد تحوّل من الدفاع عن الملكية إلى تهديدها عندما أحس بقدرته على امتلاك أكثر ممّا قدّمه له الملك الراحل. أما المذبوح، فقد كان رجلاً خبيراً زاول مجموعة من المهام المدنية والعسكرية، فقد كان وزيراً للبريد في حكومة عبد الله إبراهيم، وتمت توليته عاملاً في إقليمورزازات، ثم انتقل لرئاسة الحرس الملكي. تغيّرت أفكار الرجل بالكامل بعد أن سافر إلى الولاياتالمتحدة أشهراً قليلة قبل الواقعة، خاصة مع ما تردّد عن اكتشافه لفساد مستشري في الدولة، فقرّر تغيير كل شيء، لا سيما وأنه كان معروفاً بنزاهته. قُتل الجنرال المذبوح من طرف أحد تلامذة اعبابو، وبعدما لم يتمكن هذا الأخير من إيجاد الملك من أجل إعدامه، توجه إلى القيادة العليا للقوات المسلحة الملكية، وهناك التقى بجنرال آخر هو البشير البوهالي الذي لم يكن يبادله الود، فدارت بينهما منازلة دامية، أصيبا فيها برصاص قاتل، كان البوهالي هو أول من أسلم الروح، بينما بقي اعبابو يحتضر، ليجهز عليه أحد تلامذته بعدما توسل إليه اعبابو إنهاء حياته، فانتهى الانقلاب باستسلام التلاميذ وبمقتل قرابة 133 واحداً منهم.