بيْنما تتعالى ردود الفعْل المُستنكرة للهجوم على المجلّة الفرنسيّة "شارلي إيبدو"، والذي أعلن تنظيم "القاعدة" في جزيرة العرب عن الوقوف وراءه، دعا مركز "مغارب للدراسات في علم الاجتماع الإنساني"، إلى القطع مع خطاب التبرير كيفما كان نوعه، سواء في اتجاه البحث عن مسوّغات دينية أو سياسية، أو في اتجاه الضغط على المسلمين، سواء في فرنسا أو العالم، من أجل دفعهم إلى التعبير عن مواقف الاستنكار، والتبرّؤ من الأعمال الإجرامية التي تمارس باسم الإسلام. ودَعا المركز إلى التعامل بحذر وأخْذ الحيطة والحذر "وسط القصف الإعلامي المكثف الذي يغرق المشهد العامّ بكمّ هائل من المعلومات والأخبار، ينتهي في الغالب ببثّ الحيْرة وزرع البلبة"؛ ونبّه البيان التحليلي للمركز إلى أنّ تنامي سلطة الصورة والمعلومة "يساهمان في تجريد الوعي من ملكات النقد والتمحيص والتمييز". واعتبر المركز الفكري أنّ خطابات الكراهية والإقصاء، سواء التي تبثّها بعض الجهات الإعلامية، أو الصادرة عن بعض الأحزاب، "تتغذى على مثل هذه الأحداث فتتمادى في تكريس الشُرُوخَات الاجتماعية والاقتصادية، عاملة على تعميقها لتصير شروخات سياسية وثقافية ودينية، في مسعى لبثّ التفرقة وسط المجتمع الفرنسي، وفصل الفرنسيين المسلمين عن الفرنسيين غير المسلمين". وحذر مركز مغارب للدراسات علم الاجتماع الإنساني من أنْ يُؤدّي الانسياق وراء خطابات الكراهية والإقصاء إلى انشطار أعمَق يساهم في شُيوعِ أجواءٍ تُغذِي النزعات المتَطرفة والفاشستية، تذكّر بالأجواء التي سادت قبل الحرب العالمية الثانية، داعيا الطبقة السياسية في فرنسا، خاصة الأحزاب السياسية التاريخية والديمقراطية الكبيرة، والمثقفين والمجتمع المدني الفرنسي إلى أن يربؤوا بأنفسهم عن كل أشكال التلاعب بمخلفات الأحداث بغرض استغلالها سياسيّا، أو توظيفها لأغراض انتخابية. وفيما نوّه المركز بالدعوة التي ميزت الخطاب الرسمي الفرنسي من أجل الوحدة الوطنية، وكذا دعوات كل القيادات الدينية من أجل تهدئة الأوضاع والالتفاف حول قيم الجمهورية والمصلحة الوطنية العليا، إلى جانب الدعوة إلى المشاركة في المسيرة التي عرفتها العاصمة الفرنسية باريس معتبرا أنهات تعكس صوراً حضاريةً من صور التضامن بين مختلف مكونات المجتمع الفرنسي، إلا أنه اعتبر أنّها ليست سوى خطوة أولى في مسيرة طويلة. وعلى الرغم من إدانته الشديدة للهجوم الذي تعرّضت له مجلة "شارلي إيبدو"، معتبرا إياه "اعتداء شنيعا"، إلا أنّ مركز "مغارب" دعا إلى عدم عزل الحدث عن السياقات العامة والخاصة، وحصْر المشكل في من تتمّ الإشارة إليهم بأصابع الاتهام، معتبرا أنه لا يمكن غضّ الطرف عن الاختيارات السياسية التي يعتمدها الغرب، ومعه فرنسا، في الداخل والخارج، وكذا نوعية الخطابات السياسية والإعلامية والثقافية والدينية التي تروج هنا وهناك". ونبّه المركز إلى أنّ "استدامة الصراع في الشرق الأوسط بالإبقاء على فلسطينالمحتلة بؤرة ملتهبة للتوتر، والصمت المطبق إزاء الجرائم الإسرائيلية المقترفة في حق الشعب الفلسطيني، وعجز المنتظم الدولي أو امتناعه عن تطبيق المواثيق الدولية المتعلقة بهذه القضية، "كل هذه الأمور تكرس الإحساس بالمسافة بين شعارات العدل والمساواة وحقوق الإنسان وبين ممارستها في الواقع، وبذلك نجدها تقبع وراء الأسباب المغذية لكل أشكال المخاطر المهددة للسلم والاستقرار العالميين". من جانب آخر، أشار المركز إلى "قصور الخطاب الإسلامي السائد في أوروبا عن تمثل حقيقة العالم وعجزه عن تأطير المسلمين تأطيرا يؤهلهم لفهم روح العصر والتمفصل مع بقية مكونات المجتمعات الأوروبية"، معتبرا أنّ التأمّل في أنماط التدين المتفشية بين الشباب المسلم في سياق الهجرة يبيّن "أنّ فهمهم للدين صار يُوَرِّث من القلق النفسي أكثر مما يجلب السكينة والطمأنينة، وهذا ما يجعلهم يعجزون عن تمثل سماحة الإسلام ونزوعه نحو السلم. واعتبر المركز أنّ قصور الخطاب الإسلامي السائد في أوربا يجعل الشباب المسلم هناك عرضة للاستقطاب من طرف أصحاب أشد القراءات تطرفا وإمعانا في الغلو"، داعيا إلى الاشتغال على تطوير الخطاب الديني الإسلامي، في الغرب بوجه أخص، كخطوة أساسية لتفكيك منطق حرب القيم التي تلوح بوادرها في الأفق.