نشبت خلافات كبيرة بين قادة حزب العدالة والتنمية المغربي على خلفية الموقف الواجب اتخاذه من الدعوة إلى التظاهر التي وجهتها حركة 20 فبراير إلى الشباب المغربي. ففي حين رفض الأمين العام للحزب السيد عبدالإله بن كيران التظاهر، وحث على عدم المشاركة في مسيرة الشباب المغربي، استقال بعض قياديي العدالة والتنمية من الأمانة العامة للحزب، احتجاجا على هذا الموقف، وخرجوا للمشاركة في المظاهرات التي عرفتها مدن مغربية عديدة، وكان من بين المتظاهرين السيد مصطفى الرميد رئيس الفريق النيابي للحزب المذكور. ولكن ما سر اندلاع هذه الخلافات الحادة بين قادة حزب سياسي، يفترض أنه معارض، حول المشاركة من عدمها، في تظاهرات سلمية دعا إليها شباب مغربي؟ هل المشاركة في مسيرة تطالب بالإصلاح حدث يستحق أن يقع خلاف حوله بين أعضاء قياديين في الحزب، خلاف يظهر جليا وواضحا للرأي العام الوطني؟ ما الذي دفع العدالة والتنمية للتفريط في حرصه الدائم على الظهور بمظهر الحزب المنسجم والمتماسك والمتضامن بين كافة أعضائه؟ ألا يمكن لخصوم الحزب استغلال هذه الخلافات، استقبالا، وتوظيفها بما يلحق الضرر بسمعته، والنفخ فيها لتكريسها وتشويه صورته نتيجة لها، خصوصا وأن موعد انتخابات 2012 بدأت معالمه تلوح في الأفق، وتم الشروع في الإعداد للحملات التي تصاحبه؟ ما يجعل هذه الأسئلة تبدو أشد إلحاحا هو كون التظاهرات التي دعا إليها الشباب المغربي كانت تحت سقف القانون. لقد دعا المتظاهرون إلى إصلاحات دستورية، وإلى إصلاح القضاء، ومحاربة الفساد، وإعادة النظر في كيفية توزيع الثروة بما يؤدي إلى التقليص من الفوارق الطبقية المهولة التي يعرفها المغرب، وطالب المتظاهرون بمحاربة الفقر والتهميش والهشاشة الاجتماعية، وسن سياسة تواجه البطالة، وتستثمر طاقات المجتمع، خصوصا فئاته المتخرجة من الجامعات في تحقيق التنمية البشرية التي يتحدث عنها الخطاب الرسمي المغربي.. فأين كان سيتجسد المشكل لو أن حزب العدالة والتنمية المعارض، وباقي الأحزاب الأخرى، خرجوا في المظاهرات التي كانت ترفع شعارات تدعو للاستجابة لمثل هذه المطالب؟ أين التمرد على القانون في ذلك؟ وأين الخطر على أمن البلاد واستقرارها؟ الخطاب الرسمي المغربي يقول بأن في المغرب مجالا ديمقراطيا واسعا يتيح لكل المغاربة الحق في ممارسة حرية التعبير، وكما هو معلوم فإن حرية التظاهر حق مكفول بقوة القانون في كل الدول التي تنعم بالديمقراطية. التظاهر في هذه الدول حق مكتسب، ويمارس بشكل تلقائي دون أن يتحفظ، أو يحترس، أو يحسب السياسي ألف حساب لممارسته. في بلد ديمقراطي يصعب تصور أن حزبا معارضا يمكن أن يرفض المشاركة في مسيرات احتجاجية ينظمها الشباب على نطاق واسع للمطالبة بإصلاحات يعترف الجميع بأن البلد في أمس الحاجة إليها. الحزب المعارض يكون مبادرا للدعوة إلى التظاهر، وإذا جاءت الدعوة إلى التظاهر من فئة اجتماعية لا تنتمي إلى تنظيمه، فإنه لا يجد أي حرج في تبني دعوتها، والتنسيق معها لإنجاح المظاهرات، خصوصا حين تكون مطالب المتظاهرين واضحة ومنسجمة مع ما يردد الحزب المعارض أنها بنود في برنامجه السياسي، كما هو حال حزب العدالة والتنمية مع مطالب الشباب المغربي.. الحزب السياسي الذي يمتنع، بقرار رسمي من قيادته، عن المشاركة في مظاهرات سلمية تدعو للإصلاح، إما أن الإصلاح لا يعني تلك القيادة، وأنها ترفع الإصلاح كشعار لأهداف انتخابوية صرفة، وإما أنها قيادة غير قادرة على ممارسة استقلاليتها في اتخاذ قراراتها الحزبية. كلفة التظاهر وتضحياته لتحقيق مكاسب وإصلاحات لفائدة الشعب تبدو لها ربما باهضة، وتختار عدم الإقدام عليها. إنها تفضل الحل السهل بتقديم شهادة حسن السيرة للسلطة، في انتظار أن تكافئها السلطة في المناسبات القادمة على سلوكه المهادن هذا. وحين تتصرف قيادة حزب سياسي كبير ومعارض على هذا النحو، فماذا تترك لقيادات الأحزاب الموالية والمتذبذبة؟ كيف سينظر المجتمع ويقرأ موقفها هذا؟ وماذا سيستنتج منه؟ القيادة تكشف بذلك نوعية الحياة الحزبية الموجودة في المغرب، و توضح سر نفور الناس منها، و تبين جوهر الديمقراطية التي يمكن الوصول إليها في بلادنا، اعتمادا عليها.. الشباب المغربي كان محقا حين تجاوز هذه الأحزاب وخرج إلى الشارع ليناضل من أجل إصلاحات يراها ضرورية لإخراج البلد من أزمتها..