غريبٌ أمر من لا يستغرب من لائحة الأعياد الرسمية بالمغرب.أجندة متخمة بالأعياد و العطل ، تخمة تَغُرُّ و لا تَسُر. تتلبَّسكَ الحسرة و أنتَ تقرأ عن دراسة أنجزتها مؤسسة "ميتويل ميرسر" المهتمة بالموارد البشرية ، والتي خَلُصت أن المغرب يحتل المرتبة الأولى إفريقياً و الثانية عربياً و الخامسة عالَميًّا من حيث عدد العطل الرسمية. رُتَب تبقى '' مُشَرِّفة " على إطلاقها ، خاصة إذا ما قورنت بالرتبة 88 عالمياً في محاربة الفساد (سنة 2015 ) ، و المرتبة 31 عالميا ضمن الدول الأكثر تضييقا على حرية الأنترنت ، المرتبة 56 عالميا في قائمة الدول المستقطبة للأطر الأجنبية ، 99في قائمة الدول الأكثر سعادة 71, في مؤشر مكافحة غسيل الأموال ، المرتبة 133 عالميا في المساواة بين الرجل و المرأة ، 147 حرية الصحافة ،ثم المرتبة 129 التنمية البشرية ( سنة 2014). لن أحاول إيجاد خط ناظم بين هذه الرُّتب ، و إن كانت رائحة التخلف لا تُخْطِئُها أنف سليمة. لِنَعُد إلى العطل ، فهي على الأقل تفوح بأريج الراحة و الإستراحة . راحة من العمل إن كان ثمة عمل ، و إستراحة من سادية المدير و نميمة الزميل . حسب علمي فالمغرب " يزخر '' ب 13 عيد ، بين وطني و ديني و نوع آخر يمكن أن نطلق عليه دولي كرأس السنة و فاتح ماي . و مِن تَقْوانا جعلنا أيام العطل في الأعياد الدينية ضِعف الوطنية '' ، للديني مثْل حظِّ الوطنِيَيْن '' . و مما يثير الإنتباه كذلك كوْن وزارة الأوقاف لا يقتصر تدخلها على الأعياد الدينية فَحَسْب ، بل تقترح ، وأحْياناً تفرض ، خطباً مُوَحَّدَة لصلاة الجمعة فرَحاً ببعض الأعياد الوطنية . فبعد أن يأمروننا بطاعة أولي الأمر ، لا يتورَّع بعض الأئمة '' الوطنيين '' في تذكيرنا بأن " حب الوطن من الإيمان '' ، و هو كما يعلم الجميع ، و منهم الخطيب نفسه ، حديث مكذوب لا أصل له. نعم هو من الغرائز كما حب النفس و الولد ، و هو أي حب الوطن ما يدفعنا لنُعلي صوتنا أحياناً ، و نُنْكر ما يُفعَل بِ و في هذا البلد. بعيداً عن وزارة الأوقاف ، أخالها قد أَزِفَت ساعةٌ يتسربل فيها الجميع رداء الشجاعة و المسؤولية لإعادة النظر في الوقت و المال المهدور . تُراعى قدر المستطاع ما يمكن وصفه بمكتسبات العامل و الموظف ، و قبل ذلك و بعده نحتكم إلى مصلحة الوطن. متحصِّناً ببطاقتي الوطنية ، مدفوعاً برغبة المشاركة في أمر يهمنا كلنا ، أَعْرض باقتضاب ما تبلور في دهني كنوع من أشكال '' الإصلاح العُطَلي '' ، واعِياً بكونه يحتاج إلى كثير من الصقل و التعديل. توخِّياً للسلاسة تقترح الفكرة مرْحَلتين في التنفيذ. المرحلة الأولى نحتفظ برزمة الأعياد التي نحتفل بها ، على أن نفرِّق بين العيد و العطلة، إذ ليس بالضرورة أن يتوقف العمل يوم العيد ( و الحديث هنا عن الأعياد الوطنية و رأس السنة الهجرية ). إسوة ببعض الدول ، تكون العطلة هي الجمعة الموالية للعيد. لن أستفيض في بسط إيجابيات و سلبيات هذا المقترح ، لكن أشير فقط إلى أن الجمعة ، و للأسف ، تكاد تكون جزءً من عطلة نهاية الأسبوع عند كثير من موظفي الدولة ؛ حتّى إذا اتخذناها عطلة بمناسبة بعض الأعياد كان الوَقْع أهون على مصالح المواطنين. و حين عنَّ لي أنْ أقترح هذه الفكرة على أحد البرلمانيين ، بحثتُ أوّلاً عن أعضاء لجنة العدل و التشريع في مجلس النواب . و رغم وجود بعض الوجوه البارزة مثل مصطفى المنصوري ، الرئيس السابق لمجلس النواب ، و وزراء سابقون مثل لشكر و ياسمينة بادو ، إلا أنني فضلت التواصل مع البرلماني عبد الصمد الإدريسي. اخْترتُه لكونه الوحيد داخل اللجنة ، و ربما في البرلمان كله ، الذي اصطلى بِنار القمع المخزني و في جيبه بطاقة برلماني. قد علِمْتُه معياراً غريباً للإختيار ، و عُذري أن البلد كله غريب ، فطوبى للغرباء . كتبت إلى الأستاذ الإدريسي و كان المقترح يومها يختلف نسبياً عمّا أطرحه الآن. في الختام طلبت منه مازحاً أن يقلد الأمريكيين و يطلق على قانون العطل المقتَرَح إسم '' قانون اتباتو / الإدريسي '' . لست أدري هل تبسّم حين قرأ كلماتي أم عبس ، كل ما أعرف أنه كلف نفسه و أجابني باقتضاب ، لكن بأدب '' مرحبا سيدي ، سأقترح ذلك '' . لا يمكن إلا إن أُكبر في الأستاذ الإدريسي هذا الإهتمام . و حبذا لو أمسى التواصل بين البرلماني و المواطن بهذه المرونة. نتجاوز مرحلة التظلم و الإستعطاف إلى الإقتراحات و المشاركة . نكسر حاجز اللاثقة المتبادلة . يومئ أحدنا بسبّابته هاؤم الرتق لذلكم الفتق ، فيأتيه الجواب أنْ بوركتَ يا ابن الوطن ، سننظُر فيما اجتهدتَ فيه. و ليس يضير إن لم ترجح فكرتي ،أتَرَضَّى همَّتي النَّهِمة بأجر المجتهد. يوْمها يعرف الشعب أن طريق الإتجاه الآخر يشتغل بينه و بين من يمثِّله. شكراً مرة أخرى للسيد عبد الصمد على تجاوبك ، و أهمس باشّاً في مُحيّاك ، يمكنك أن تسمِّيه '' قانون الإدريسي '' ، تنازلتُ عن نصيبي… أما المرحلة الثانية ، فتتطلب إرادة سياسية ، و دراسة أكثر جدية . يتعلق الأمر بتقليل عدد الأعياد. فَعيدَيْ المسيرة و استرجاع واد الذهب يمكن دمجهما في عيد واحد نسميه عيد الصحراء. نفس الشيء بالنسبة للإستقلال ، و وثيقة الإستقلال ، و ثورة الملك و الشعب تدمج في عيد الإسقلال أو عيد الوطن . و يدمج عيد العرش و عيد الشباب في عيد الملك. كما أقترح أن تكون العطلة في عيد المولد النبوي يوما واحدا فقط. من جهة أخرى أودُّ التنويه إلى أنني راسلت برلمانياً آخراً ، للأسف لم يتعرض لتعنيف القوات العمومية كما زميله الإدريسي ، و استَفسَرتُه عن تكلفة يوم واحد من العطلة على ميزانية الدولة. كنتُ أود أن تكتمل عندي الصورة ، أو تكاد ، لكن سيادة البرلماني لم يجد الوقت أو ربما المعلومة المطلوبة. و عليه في غياب المعطيات كاملة ، أقترح أن يكون ثمة تعويض عن العطل '' المفقودة '' يكتسي صبغة التمييز الإيجابي . أي أن يتم '' محاباة '' أصحاب الأجور الدنيا على حساب الأطر و المدراء . هي اقتراحات من وَحْي حبنا للوطن ، لانزعم وجاهتها ولا نعرف مدى إمكانية تفعيلها و لو جزئياً. حسْبي أن أساهم في سَنِّ عادة اقتراح القوانين من طرف مواطنين عاديين ، و ننتظرُ مبادرات أخرى. أما فيما يخص المُشَرِّعين ، فأتمنّى أن يُقْلِعوا عمّا دأبوا عليه من الإشتغال 22 ساعة مقابل جوج فرانك ، تكفي الوطنَ منهم سبع ساعات ،و الثامنة ينصتون فيها إلى من أوصلهم حيث هم. و الله الموفق.