تزامن الاحتفاء باليوم الوطني للمجتمع المدني المغربي الذي يصادف يوم 13 مارس من كل سنة، مع حدث وطني كبير، تعبأت له مختلف القوى والفئات الاجتماعية في الشارع المغربي، ألا وهو حدث التظاهر للدفاع عن مغربية الصحراء، بعد التصريحات المدانة للأمين العام للأمم المتحدة. وقد ظهر بشكل جلي دور المجتمع المدني في التعبئة والتأطير لهذا الحدث الوطني. ولم يكن تخصيص يوم من أيام السنة للمجتمع المدني بالأمر العادي، بل هو التفاتة ملكية تنبئ عن تقدير كبير لدور هذا الفاعل الذي أصبح طرفا أساسيا في المجتمع المغربي وفي تدبير مختلف قضايا الوطن، باعتباره مجموعة من المنظمات والهيئات التطوعية المؤسسية التي تقوم على قاعدة التعاقد، والتي تتميز باستقلالها عن سلطة الحكومة، وبقيامها على العمل الجماعي في مجالات مختلفة اقتصادية وثقافية وفنية واجتماعية وإنسانية ودينية وغيرها، وذلك اعتمادا على الإمكانيات الذاتية بالدرجة الأولى عوض الاعتماد الكلي على الدولة، وهو ما جعل المجتمع المدني يصبح بمثابة قوى اجتماعية مؤثرة. ولقد كان من نتائج نجاح المجتمع المدني المغربي في القيام بالعديد من الأدوار والوظائف أن تم تخصيصه في دستور 2011 بالعديد من المضامين الهامة التي أسندت إليه مهمة المشاركة في صناعة القرار العمومي عبر مجموعة من الآليات والمكانزمات، حيث سمح حضور المجتمع المدني وفعاليته للدولة بأن تتنازل عن بعض اختصاصاتها لصالح إشراك الفاعلين المدنيين في بعض المجالات، وذلك تدعيما للديمقراطية التشاركية التي جاءت لتصحيح بعض أعطاب الديمقراطية التمثيلية التي كانت معتمدة. وحدد الدستور دور المجتمع المدني كما نص الفصل 33 أن على السلطات العمومية اتخاذ التدابير الملائمة مساعدة الشباب على الاندماج في الحياة النشيطة والجمعوية، وعلى أنه يُحدث مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي. وتناولت أربع فصول أخرى الشأن الجمعوي من زوايا مختلفة لها علاقة مباشرة وغير مباشرة بالجمعيات وأنشطتها، وهي الفصل 12 والفصل 13والفصل 14 والفصل 15. وكذا الفصل146 " تحدد بقانون تنظيمي بصفة خاصة : شروط تقديم العرائض المنصوص عليها في الفصل 139، من قبل المواطنات والمواطنين والجمعيات" وتضمينه فقرة تنص على أحقية المجتمع المدني في الإدلاء برأيه واقتراحاته المتعلقة بقضايا تدبير الشأن العام، وفي لعب أدواره الأساسية التي أولها التربية على المواطنة وتأطير الساكنة وتأهيلها لتكون فاعلا إيجابيا في التنمية المستدامة الفصل 139 "تضع مجالس الجهات، والجماعات الترابية الأخرى، آليات تشاركية للحوار والتشاور، لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها. يُمكن للمواطنات والمواطنين والجمعيات تقديم عرائض، الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله". إنه التصور الجديد لأدوار المجتمع المدني ووظائفه وهي أدوار ووظائف لم يصل إلى تحقيقها إلا بعد أن حقق الكثير من المكتسبات على مدى العقود المنصرمة، والتي منها مكتسبات مادية تتمثل في مشاريع تنمية حققت الكثير من مطالب السكان سواء في المناطق الحضرية أو القروية المهمشة، كما منها مكتسبات معنوية مثل التأطير والتأهيل والتكوين وبلورة الرؤى والبدائل ذات الصلة بالسياسات العمومية. فالجمعيات المدنية المغربية بما فيها جمعيات الجالية المغربية والجمعيات الشبابية تضطلع بأدوار هامة في التعريف بقضايا الوطن، وفي جلب الاستثمارات وإنعاش السياحة، والتفكير في آفاق جديدة ومخارج للمشاكل والأزمات. وقد أظهرت العديد من الدراسات الميدانية بأن أدوار المجتمع المدني المغربي قد تزايدت أهميتها في الآونة الأخيرة، وخاصة بعد النجاح الذي حققه العمل الجمعوي في العديد من المرافق، وخاصة منها الطفولة والمرأة والتنمية القروية. ولا شك أن تخصيص يوم في السنة 13 مارس للمجتمع المدني وإنشاء لجنة الحوار الوطني حول الأدوار الدستورية الجديدة للجمعيات، مرحلة مهمة وأولية لإيجاد المداخل الضرورية لتحديد قنوات ومنهجيات إشراك هذه الجمعيات في تدبير الشأن العام، وهو الأمر الذي من شأنه أن يرفع من مردودية العمل الجمعوي ويجعل التجارب المدنية تتطور وتتبادل الخبرات فيما بينها، كما أن الإطار التنسيقي الذي أصبح يجمع بين الدولة والمجتمع المدني قد أعطى ثماره في تخصيص ميزانيات هامة من المال العام لبرامج مشاريع جادة يقودها المجتمع المدني المغربي بمختلف تلاوينه.