أوقفت الشركة المصرية للأقمار الاصطناعية نايل سات بث قناة المنار التابعة لحزب الله اللبناني، بدعوى تقديمها برامج (( تثير النعرات الطائفية والفتن)). هذا هو السبب الذي تلظت وراءه نايل سايت، وقررت، بناء عليه، وقف بث قناة المنار. الأسئلة الذي تتبادر إلى ذهن المرء، وهو يطلع على المبرر الذي اعتمدته الشركة المذكورة لوقف بث قناة المنار، هي، متى صارت برامج هذه القناة، من منظور نايل سات، تحرض على الفتنة والطائفية؟ هل هذه السنة؟ أو في السنة التي سبقتها؟ أم منذ إنشائها وهي تقوم بذلك؟ ثم ما هي هذه البرامج التي تقدمها المنار، والتي تدعو حقا، كما تراها نايل سايت، إلى الاحتراب الطائفي، وتحرض على الفتن بين المسلمين؟؟ قناة المنار تقدم برامجها منذ سنوات على الأقمار الاصطناعية للنايل سات، وكانت علاقة الطرفين، المنار والنايل سات، عادية وطبيعية ولا تشوبها شائبة، أي أن القناة لم تكن في برامجها، بالنسبة للسلطات المصرية، تحرض، لا على الفتنة، ولا على الطائفية. فكيف حدث وظهر فجأة للنايل سات تحريض المنار على الفتنة والطائفية، لتقرر وقف بثها؟؟ فإما أن القناة، كانت فعلا، تحرض من زمان على الطائفية، وكانت النايل سات، لأسباب مجهولة، متواطئة مع المنار، ولو بالسكوت عما كانت تفعله، وإما أن هذه التهمة مفبركة من أصلها، وأنها ليست إلا ادعاءا زائفا، اعتمدته الشركة المصرية لاتخاذ قرار تحكمي، وظالم ضد المنار. وهذا هو الاحتمال الراجح والغالب. الذي يوجه لقناة تلفزيونية تهمة التحريض على الطائفية، من المفروض فيه أن يقوم بذلك في إطار ملف مُعَدِّ بشكل مهني، من خلال المتابعة اليومية للبرامج المقدمة في القناة المعنية، ويتم تحديد المواد المتضمنة للحث على الطائفية، وتُسلَّم في ملف للقناة التي تقدمها، ويتم تنبيهها لذلك، ويطلب منها كتابة تغييرها واستبدالها ببرامج غير طائفية، وإذا تمسكت القناة بالبرامج التي تحرض على الفتنة ورفضت استبدالها، وقتها، يمكن وقف بثها، وتقديم الملف المُعَدِّ عنها كاملا لوسائل الإعلام العربية والدولية، توضِّح فيه شركة الأقمار الاصطناعية الأسباب الوجيهة التي جعلتها تُوقف بث برامج القناة. لو تصرفت النايل سات على هذا النحو، لكان لتصرفها ما يستند إليه ويقنع الجمهور العربي بواسطته، ولكانت قد خلقت نقاشا حقيقيا حول مضامين برامج المنار على مستوى الخريطة العربية، أما أن نستيقظ في صبيحة يوم من الأيام، ونسمع على حين غرة، ودون أي مقدمات، أن النايل سات أوقفت بث المنار، لأنها تحرض على الفتنة والطائفية، فهنا نكون أمام قرار مفاجئ تعسفي، وعشوائي، وانتقامي. كاتب هذه السطور من المشاهدين المداومين لقناة المنار، ويستطيع الجزم، بثقة عالية، بأن هذه القناة لم تكن في برامجها تحرض على الفتنة والطائفية. نقطة ضعف حزب الله، إذا كانت لديه نقطة ضعف كما يراها أنصاره ومؤيدوه، تتجلى في إفراطه في الحرص على تجنب كل ما يُشتمُّ منه أنه نزوع نحو الفتنة، والعمل على تحاشي كل ما قد يؤدي إليها، ولو أحيانا على حساب مشاعر مناصريه ومؤيديه. لقد كانت المنار منفتحة حتى على خصومها السياسيين، كنا نشاهد مرارا في شاشتها سياسيين لبنانيين من فريق 14 آذار، نشاهدهم وهم ينتقدون حزب الله، ويعلنون عن معارضتهم لسياسته في داخل لبنان، وفي خارجه، وكانوا يعبرون عن مواقفهم بلغة لبقة، وفيها احترام للحزب، وكان ظهورهم في المنار، يبين الوجه الحضاري للبنان، البلد المتعدد الطوائف والمذاهب والقناعات السياسية، فكيف لقناة منفتحة على خصومها أن تصبح محرضة على الطائفية؟؟؟ وزير خارجية مصر السيد سامح شكري نفى قبل أيام، عن حق، صفة الإرهابي عن حزب الله، ونفيهُ هذا يعني أنه أقرَّ صراحة، أو ضمنيا، بأن حزب الله، حزب وطني لبناني ومقاوم، فكيف تصبح اليوم قناة تلفزيونية للحزب غير الإرهابي، تحرض على الطائفية والفتنة، من وجهة نظر السلطات المصرية؟؟ وكما هو متداول في تراثنا، فإن الفتنة أشد من القتل ومن الإرهاب، اللهم إلا إذا كان للأمر صلة بزيارة العاهل السعودي للقاهرة، وبرغبة مصرية رسمية في تطييب خاطره، والحصول منه على دعم مالي للاقتصاد المصري المنهار. قرار وقف بث قناة المنار ليس موجها ضد حزب الله لوحده، هذا القرار موجه بالأساس ضد جمهور القناة، اللبناني، والعربي، سواء في الداخل، أو في الشتات بالمهجر، القرار يسعى لحرمان الجمهور من حقه في الحصول على الأخبار، ومتابعة برامج كانت تقدم في شاشة هذه القناة، وفي ذلك عدوان سافر على حق الملايين العرب في الحصول على مواد إخبارية وثقافية وترفيهية من قناتهم المفضلة. لديهم إمبراطورية إعلامية تخصص لها إمكانيات مالية قادرة على حجب عين الشمس، ووظيفة هذه الإمبراطورية الإعلامية هي تلميع صور الحكام والدعاية لسياساتهم، وجميع أفعالهم، الطالح منها قبل الصالح، ومع ذلك، يتضايقون من قناة بموارد محدودة جدا، قياسا بموارد قنواتهم، ويتآمرون عليها، ويقررون وقف بثها. تصرفهم هذا يبين أنهم في موقف ضعيف، وهش، وأنهم لا يملكون خطابا قويا، ومتماسكا، ومقنعا أمام خطاب المنار وهو يواجههم، فلم يبق أمامهم من مفر سوى وقف بث القناة على النايل سات. هذا عصر الأنترنيت والسماوات المفتوحة، ولذلك، فإن قرارات الحجب، والمنع، ووقف البث، تعتبر من الزمن الماضي، ولن تفلح في منع الناس من والوصول، بكافة الوسائل، إلى الحقائق الكاملة المتعلقة بسياساتهم الانتحارية في منطقتنا، هذا إن لم نقل إن أبناء المنطقة يدركون تلك السياسات الفاسدة والمستبدة، لأنهم يعيشون على وقعها، فقرا، ومرضا، وسوء تغدية، ويعانون من تبعاتها الكارثية، قتلا، وتدميرا، وتهجيرا..