أخطأ التفكير والتقديرَ من خطط للمسيرة " الجماهيرية " المزعومة، ووقَّتَها قبل أسابيع معدودة من انطلاق موعد الاستحقاق الأكتوبري المرتقب. وإذا كان الذين اعتقدوا أنهم بهذا " الصنيع السلمي" " الحضاري"، قد أصابوا حزب العدالة والتنمية في مقتل، فإنهم ونقولها بملء العقل والفم خدموه من حيث لا يدرون، ومن حيث لا يحتسبون، ولا يعرفون أساليب " النزال "، ووسائل إسقاط الخصم، أو أدوات تعويق حركته وديناميته متى كان مندفعا كالخنزير البري لا يرى عن يمينه ولا عن شماله. سيسارع "الصغار" و" الكبار " أيضا، إلى ضخ المزيد من المصابيح الصغيرة في مصباح علاء الدين الكبير، ما يعني أن المهزوزين أصلا، الوصوليين والمتذبذبين، ومن بهم داء الفالج السياسي، سيصوتون لصالح الحزب " المظلوم " الذي خرجت" جماهير " مصنوعة ومدفوعة، تدينه، وتكشف " سوءته "، بغية إسقاطه، وجندلته أرضا حتى لا تقوم له قائمة. وها هي النتيجة تأتي معكوسة، وها هو السهم يرتد إلى راميه، والكيد إلى نحر من فَكَّرَ ودبَّر، وخطط في العشيات الدامسات كحاطب ليل. أعتبر المسيرة التي شهدتها مدينة البيضاء يوم الأحد 18 شتنبر، مهزلة بكل المقاييس، لأن مدبريها أبانوا عن ضحالة فكرية، وتسرع ، وعدوانية إيديولوجية، ونية مبيتة ومفضوحة في إسقاط الآخر، وتهزيئه، والنيل من شخصه، ومرجعيته، وموقفه، ورؤيته للمجتمع والناس، والوطن والعالم. معنى ذلك أن حق الاختلاف غير مطلوب ولا مكفول ولا مبتغى. أما أحاديثنا عنه في الكتابات والصالونات والندوات، والمحاضرات، فمن باب تلميع الصورة، وتسويق أفكار وأطاريح لا نؤمن بها في دواخلنا وأعماقنا تماما مثل الذي ينافح عن حرية المرأة ومساواتها بالرجل باعتبارها كائنا مكتمل العقل والروح والحس والوجدان، وفي دخيلة نفسه يذمها ويشتمها، ويراها كائنا ناقصا، بل يعاملها كعبد وأمة، ومحط لذة وتفريخ. ما حدث في الدارالبيضاء مدان سياسيا وحقوقيا وثقافيا ومدنيا وحضاريا، لأنه يقدم صورة متخلفة عما وصل إليه بعض سياسيينا ونقابيينا، وبعض الأعيان، وأصحاب " النفوذ "، وبعض " المناضلين " أيا كان مشربهم، ولونهم، وانتماؤهم. فلا ديمقراطية في ما حدث، ولا حرية في ما وقع، ولا حقوق مورست، بل مورست صور من الهمجية، واللاأخلاق، ونوع من الفاشستية التي لا تؤمن بالآخر، بل ترى إليه عدوا مفترضا، عدوا بالقوة إن لم يكن بالفعل، وعبئا سياسيا ينبغي أن يزاح ويزال. إن الصراع السياسي، والتنافس الانتخابي، والتباري الاستحقاقي، يجب أن يخضع للوعي اليقظ، والعقل السليم الرشيد، والحجة الفكرية، والمقارعة البرهانية والمقارانتية بين البرامج والمنجزات، بعيدا عن التجريح، والشتم، والقذف، والإحن والسخائم. ومن ثَمَّ، فالمسيرة مهزلة ، وَزَلَّة تقديرية وتدبيرية سقط " مخططوها " في أقذر امتحان، وأبشع موقف، وأسخف رأي، وأشنع اندفاع وتهور. لا يمكن نقل صورة مصر إلى المغرب بأي وجه، فالشروط الذاتية والموضوعية مختلفة ومتباينة، ولا يجوز مطلقا أن نرخي اللجام والزمام للكراهة والحقد، وسوء الطوية ونحن نناقش الآخر ونختلف معه. من هنا، وكما عبَّرت وحَبَّرْتُ في عشرات المقالات، عن موقفي إزاء حكم العدالة والتنمية الذي قلت فيه إنه حكم ضعيف لرجال لم يرتقوا بعد إلى سنام الدولة، ولم يدبروا ملفات" غول " في السياسة والاقتصاد، والاجتماع، والتعليم ، والصحة، والعيش الكريم. كما قلت إنهم يمثلون " ابن تيمية " بيننا، وإنهم يستعملون الدين مطية لتحقيق مآربهم، والوصول إلى قلوب الكثرة الكاثرة من المواطنين، وأن هذه " الاتهامات " لها ما يؤيدها في واقع البلاد، وواقع الحال على مدى السنوات الخمس التي شهدت تدبيرهم للشأن العام بمعية الشيوعي الحاج نبيل بنعبد الله، والليبيرالي " المَفْعَفعْ" صلاح الدين مزوار، والوزير المؤبد محند العنصر. وإذا كنت قلت هذا وغيره كما فعل غيري في إطار من المقارعة الفكرية، والمناظرة الثقافية، والاختلاف السياسي والإيديولوجي، وتعارض الرؤى في مباشرة الملفات والقضايا المختلفة، فإنني، ودفاعا عن الحق في الاختلاف، والرأي، والفكر، والمرجعية، أقف إلى جانب حزب العدالة والتنمية في " محنته " العابرة، شاجبا المسيرة جملة وتفصيلا، ومدينا الأطراف الخبيئة والمعلنة التي دعت إليها. لنحاكم حصيلة الحكومة الرباعية قطاعا..قطاعا، ومجالا..مجالا، مطالبين وزراءها بتقديم الحساب، من خلال فشلهم أو كشف ما اعترضهم من عراقيل ومثبطات، وما عوَّقَ عملهم وتدبيرهم ما جعل المغرب يراوح المكان، بل ويتراجع تنمويا على جميع المستويات والأصعدة.