عندما قلت في مقالة كتبتها قبل أيام، بأن جائزة المغرب للكتاب، يتعين أن يتبعها ويصاحبها " حراك " ثقافي مخصوص، و" دينامية " تعريفية تقوم على العرض والتفسير، والتحليل، والتأويل، بغية نشرها على أوسع نطاق، وإيصالها إلى بعد مُتَلَقٍّ، ولفت انتباه الأوساط التعليمية تلاميذ وأساتذة ، والأوساط الجامعية والنخب الثقافية، إلى أهمية الكتاب الفائز، العمل المتوج من حيث نوعيته وإضافته الجمالية، أو فتحه الثقافي والفكري، سواء أكان شعرا أو سردا، أو بحثا ودراسة، أو ترجمة. عندما قلت ذلك، فإنما رُمْتُ من ورائه، من دون تلبيس ولا تدليس، إلى وجوب وضع العمل إياه في دائرة الضوء حتى يتسنى له أن يدافع عن نفسه، مرة أخرى، بعد إجازة لجنة القراءة، بما توافر له، وحواه من جديد وقشيب وعميق على مستوى البناء اللغوي، والتصوير الاستعاري، والتخييل المبتكر الوهاج، والماء الزغرب الشافي الذي يسيل من بين فروجه وثنياته وطياته إنْ كان شعرا جميلا أو سردا بديعا، وعلى صعيد المقاربة الدقيقة، والإحاطة العميقة، والغوص العلمي الوافي ضمن لغة سليمة تركيبيا ونحويا وصرفيا وبلاغيا، إن كان بحثا أونقدا أو دراسة أدبية. وقد يسقط في هذا الاختبار الموضوعي، والامتحان شبه النزيه مادام أن المقروء معروض ومتاح لجمهرة معتبرة من المتلقين والمستقبلين متفاوتي الثقافة والعلم والمعرفة، ومختلفي الخلفيات، والمصادر والمراجع التراثية والحداثية إبداعا وفكرا. غير أن المطلوب المنتظر من هذه الدينامية إذا تمت وأطلقت إعلاميا، وضمن حلقات نقاشية، وموائد وندوات ثقافية وعلمية وأكاديمية، أن لا تمرمرالكرام، وأكاد أقول: مراللئام، إذ أن الكرام كرامٌ في البدء والمنتهى، واللئام لئامٌ في الأول والأخير، على رأي الشاعر المتنبي: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته // وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا. فجائزة الرواية العربية العالمية المسماة ب" البوكر "، يتبعها ويرافقها ضجيج وعجيج واحتفال يؤدي بها إلى التداول اللغوي المنفتح والمتعدد حيث تستقبل اللغة الإنجليزية، الرواية المتوجة، وإلى " البروباغندا "، والتذييع والتسويق، وإلى عقد لقاءات ثقافية ونقدية بغاية التعريف بها ، وتسليط الضوء البراق عليها. وكذلك جائزة " الكونغور " التي يحظى بها الفائز الفرنكفوني، من شهرة واسعة تبدأ بتهليل واحتفاء غير مسبوق بالرواية من لدن اللجنة العلمية عبر وسائط التكنولوجيا والإعلام المكتوب والمسموع والمرئي، ولا تنتهي بتوجيه الدعوات إلى الروائي ( ة ) الفائز والمتوج، إلى هذه الإذاعة والقناة التلفزية أو تلك، مرورا بالدعاية المجلاتية المصورة، وطبع مئات الآلاف من النسخ..الخ..الخ. فلماذا ننتهي من أمر الجائزة بمجرد تسليم المظروف المالي إلى الفائز أو الفائزة، ثم يسقط العمل الإبداعي أو الفكري عميقا في وهدة اللامبالاة والنسيان، مضرجا بهز الأكتاف، والسباب، والتشكيك في مصداقيته، ومصداقية اللجنة المانحة، وأكل لحمه وقد " مات "، أو أميت بفعل الإشاحة عن وجهه، وطرحه كجديد وإضافي، وانقلابي فنيا ومعرفيا في المشهد الثقافي العام.؟. لذلك، لن أعيا من ترديد مطالبتي بضرورة طبع العمل المتوج طبعة ثانية، ولتكن " شعبية " حتى يصله الجيب، وتطوله القدرة الشرائية للمستهلك المنهارة أصلا، والعمل المبرمج في الزمكان من أجل استضافة الشاعر والروائي والباحث والمترجم في القناتين مع ثلة من النقاد والمتتبعين للشأن الثقافي، ليقدموا المنتوج الإبداعي والمعرفي، وينشروا جديده، و " فتوحاته " الاستثنائية أمام الرأي العام المعني بالأمر. كما يتوجب تنظيم لقاءات مدروسة ومحسوبة ومنظمة ومؤطرة لفائدة الأعمال الفائزة في محافل بأعيانها كالمهرجان السنوي الدولي، والمهرجانات الثقافية الجهوية، والجامعات، والمؤسسات التعليمية الثانوية والإعدادية، وغيرها. هذا إذا كنا فعلا نطمح إلى إحقاق مكون الثقافة، وتوطينه، ولفت النظر إليه عبر إيلائه الاهتمام المتوخى، ورصد ميزانية لوزارة الثقافة تكون محترمة ومعتبرة كفيلة برفع الضيم والغبن عن الثقافة، ونشرها وطنيا عبر مختلف المؤسسات، وعلى مستوى العديد من الواجهات. وأختم بما يلي: من منا قرأ الروايات الفائزة السابقة؟، وكم قارئا قرأ تلك الروايات المحظوظة؟، ما عناوينها؟، ما أسماء مؤلفيها؟، وأين نشرت ؟. من يعرف الشعراء المتبارين المترشحين للجائزة؟، أقصد الفائزين اليوم، وما قبل اليوم؟، ما أسماؤهم؟، ما عناوين مجاميعهم الشعرية؟، وأين نشروا صنيعهم الإبداعي ؟. والشيء نفسه ينسحب على الباحثين والدارسين والنقاد؟. ما أسماء كتبهم ؟، ما أسماؤهم؟، والمترجمين الذين ترجموا كتبا ذات أهمية واعتبار بالغين؟. ما الكتب المترجمة؟ ومن مؤلفو تلك الكتب ؟، ومن مترجموها ؟. هل سمعنا بهؤلاء، أو أولئك ؟، أين يكمن المشكل ؟، وفِيمَ لَغْوُنا وعراكنا الديكي ؟، وتنطعنا، وخواؤنا ؟. ما أسباب ذلك ؟ من المتسبب في هذه الإشاحة واللامبالاة حتى لا أقول الجهل والخواء المعرفي ؟ هل للتعليم الفاشل المنهار يد في هذا ؟. هل للسياسة الحكومية برمتها، نصيب مما نحن فيه، وما نعانيه ؟. وهل نصدم أنفسنا بأنفسنا ونعترف كما فعل روسو، بأن الطلبة والأساتذة في كل أطوار وأسلاك التعليم، وصولا إلى الجامعة، لا يقرأوننا، ولا علاقة لهم بنا، ولا بالشعر المغربي المعاصر والحديث؟، وأن المعرفة بالشعر الذي نكتب لا تتعدانا أي لا تخرج عن دائرة الشعراء أنفسهم الذين يكتبون، وحتى هؤلاء لا يقرأون لبعضهم البعض ؟. تلكم بعض الأسئلة الحائرة القلقة، والتي لا يمكن أن نبترد قليلا من شواظها ولظاها إلا بفتح كوى الأمل في وجه متعلمي ومتعلمات، ومعلمي ومعلمات البلاد، فضلا عن باقي الشرائح الاجتماعية العريضة التي تَصْلَى نار اليومي، والأمية، والنقص الخبزي والمعرفي.؟.