خلافات حول "الرئاسة" توقف أشغال مؤتمر حزب الاستقلال    بركة: مرتاحون داخل التحالف الحكومي ونعتز بحصيلة الوزراء الاستقلاليين    المغرب – فرنسا: فتاح تدعو إلى أشكال تعاون جديدة تستشرف المستقبل    بالتمر والحليب والورود .. هكذا تم استقبال فريق اتحاد العاصمة الجزائري بالمغرب    رئيس اتحاد العاصمة صدم الكابرانات: المغاربة استقبلونا مزيان وكنشكروهم وغانلعبو الماتش مع بركان    البطولة الوطنية الاحترافية "إنوي" للقسم الأول (الدورة ال27).. الشباب السالمي يتعادل مع ضيفه مولودية وجدة 0-0    ابتداء من الليلة.. أمطار ورياح قوية بهذه المناطق من المملكة    توقيف شخص بطنجة لتورطه في استعمال معدات إلكترونية لتحويل المكالمات الهاتفية الدولية إلى محلية    إسبانيا.. ضبط 25 طنا من الحشيش قادمة من المغرب (فيديو)    الملك محمد السادس يعود لأرض الوطن بعد زيارة خاصة لفرنسا    تفريغ 84 طنا من منتجات الصيد البحري بميناء مرتيل خلال الأشهر الثلاثة الأولى لسنة 2024    أنشيلوتي يدعم استمرار تشافي مع برشلونة    المغرب يعتزم بناء مزرعة رياح بقدرة 400 ميغاوات بجهة الشمال    السعودية تحذر من حملات الحج الوهمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي    عاجل... توقف أشغال مؤتمر حزب الاستقلال بسبب خلاف حول رئيس المؤتمر    في ظل الوضع المائي المقلق ببلادنا.. حملة تحسيسية واسعة للتوعية بضرورة الحفاظ على الماء    تتويج 9 صحفيين في النسخة الثامنة للجائزة الكبرى للصحافة الفلاحية والقروية    الأمثال العامية بتطوان... (583)    الحكومة والنقابات تتجه للتوقيع على زيادة في الأجور قدرها 1000 درهم    بركة: مناورات الجزائر لإحداث تكتل جديد دون المغرب خيانة للشعوب المغاربية    قميص بركان يهزم الجزائر في الإستئناف    عطلة مدرسية.. الشركة الوطنية للطرق السيارة تحذر السائقين    مقتل 51 شخصا في قطاع غزة خلال 24 ساعة    بيدرو روشا رئيساً للاتحاد الإسباني لكرة القدم    مكتب الوداد يعلن عن تعيينات جديدة    مندوبية السجون تغلق "سات فيلاج" بطنجة    مصرع 10 أشخاص في حريق بفندق برازيلي    للجمعة 29.. آلاف المغاربة يجددون المطالبة بوقف الحرب على غزة    وزارة الصحة تعلن تسجيل 10 إصابات جديدة بفيروس كورونا    هل ستعتمدها مديرية الناظور؟.. مذكرة تمنع تناول "المسكة" في المدارس    اليوم العاشر بجامعات أمريكية.. تضامن مع فلسطين والشرطة تقمع    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    لجنة الانضباط بالرابطة الفرنسية توقف بنصغير لثلاث مباريات    طلبة الطب يعلقون كل الخطوات الاحتجاجية تفاعلا مع دعوات الحوار    الأمير مولاي رشيد يترأس بمكناس مأدبة عشاء أقامها جلالة الملك على شرف المدعوين والمشاركين في المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب    مكناس : المعرض الدولي للفلاحة في نسخته 16يفتح أبوابه في وجه العموم    الفنان المغربي الروسي عبد الله وهبي يعرض "لوحات من روسيا" في الرباط    الصين تؤكد التزامها لصالح علاقات مستقرة ومستدامة مع الولايات المتحدة    بوطازوت تفتتح فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان الشرق للضحك    بايتاس : الحكومة لا تعتزم الزيادة في أسعار قنينات الغاز في الوقت الراهن    الشرقاوي يسلط الضوءَ على جوانب الاختلاف والتفرد في جلسات الحصيلة المرحلية    سعر الذهب يتجه نحو تسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    تطوان .. احتفالية خاصة تخليدا لشهر التراث 2024    "شيخ الخمارين ..الروبيو ، نديم شكري" كتاب جديد لأسامة العوامي التيوى        العرائش : انطلاق أشغال مشروع تهيئة الغابة الحضرية "ليبيكا"    احتجاجا على حرب غزة.. استقالة مسؤولة بالخارجية الأمريكية    محمد عشاتي: سيرة فنان مغربي نسج لوحات مفعمة بالحلم وعطر الطفولة..    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    السعودية قد تمثل للمرة الأولى في مسابقة ملكة جمال الكون    مؤسسة (البيت العربي) بإسبانيا تفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها ال18    عرض فيلم "أفضل" بالمعهد الفرنسي بتطوان    الأمثال العامية بتطوان... (582)    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فيلسوف ألماني: فرنسا تلج عهد النضج .. وماكرون يشبه جان دارك

لحظة احتفاله بذكرى ميلاده السبعين، استقبلنا الفيلسوف الألماني الكبير بيتر سلوتردايك في منزله: محارب للأيقونات، متهتك، جريء على الرأي السائد، وعارف دقيق بأوضاع فرنسا، ثم محيط بالأوضاع الجارية.
لقد أكدتم غير ما مرة بأن فرنسا كان لها نزوع طبيعي خاص جدا نحو الدلائل الكبرى للجنون لحظة انتخاباتها. هذه السنة الانتخابية المتوجة بانتصار شاب بقي مجهولا لدى الفرنسيين قبل سنتين ثم اندحار الأحزاب التقليدية أنصفت استدلالكم بغض النظر عن كل تشخيص. بعد مرور شهر بالكاد على الشروع في العمل، شهدت الحكومة الجديدة أولى أزماتها مع استقالة أربعة من أعضائها لأسباب قضائية.. فما هي نظرتكم إلى هذه الوقائع الجديدة؟
يبدو لي وجود جانب متزمت جدا بخصوص ما يجري داخل فرنسا. هذا يذكرني بكتاب للفيلسوف الأمريكي ميشيل ولزر ''ثورة القديسين'' الذي تطرق من خلاله للطهرانية في السلطة. بهذا الخصوص، ارتكب إيمانويل ماكرون خطأ جوهريا حينما دشن ولايته معلنا عن الرغبة في تخليق الحياة السياسية. لقد ارتكب الخطأ نفسه الذي ارتكبه الشاب فريديريك الثاني البروسي الذي كتب مدة قليلة بعد اعتلائه العرش عمله "نقيض- ميكيافيلي" من أجل تفنيد ''الأمير''. وحين بلوغه سن النضج، انتهى فريديريك الثاني معترفا إلى أحد محاوريه بوقوعه في التيه مع مشروعه لتخليق السياسة. أعتقد بأن الشخص الشاب مثلما يجسده السيد ماكرون يعيد التجربة نفسها عاجلا أم آجلا.
لكن المواطن الفرنسي يسكنه غضب جراء شعوره بالإفلات من العقاب الذي يقدمه مسؤولونا، لقد كان هذا ملحوظا خلال هذه الحملة مع قضية فرانسوا فيون، مما ساهم في صيغة من صيغ التخلي الديمقراطي. ألا ينبغي أن نأخذ هذا بعين الاعتبار؟
هناك جانبان. السياسة، كما هي، تعتبر فضاء للعمل تسوده قاعدة خاصة. إنه الاكتشاف الكبير لميكيافيلي. الأخلاق العامة، لاسيما الانسانوية المجردة، لا يمكنها أن تطبق واقعيا باستمرار؛ لأن الأشياء تنزع إلى الانعتاق من القاعدة الأخلاقية. الوصايا العشرة لم ترو كفاية تفصيلا كي تقتضي سلوكا محددا ضمن معطيات الحقيقة المعاصرة. لقد شكل هذا الاكتشاف الحداثة. يبقى سؤال الفساد وكذا النظام الفرنسي. فساد تهيكل وتحجر تقريبا. إذن، بشكل مفارق، قد يحمل هذا التنظيف المبدئي المصداقية لكل مشروع إيمانويل ماكرون. إذا لم يفعل، سيجازف بخداع آمل تلك الحركة الهائلة التي استثمرت ثقتها ووضعتها فيه.
بيد أن الامتناع المكثف خلال هذه الانتخابات – أكثر من 51% في ما يتعلق بالتشريعية- جعل في المقابل أهمية ذاك الحماس نسبية.
لقد ورث هذا الامتناع عن التصويت من الكآبة السابقة عن مرحلة ماكرون. يحتفظ الناخبون دائما في دواخلهم بردود فعل تصرفاتهم السابقة، مبرهنين على نوع من الالتباس كي تحكم عليهم بالتفاؤل بين عشية وضحاها. كانوا يعيشون في خضم نوع من التشاؤم المترف، الذي ميز وطن فرنسا. لقد تكرس هذا الأفول منذ أكثر من جيل. بدأ خلال فترة ميتران، حينما وجد الأخير نفسه منحصرا بين رئاسة قد نقول عنها يسارية ثم أغلبية برلمانية من اليمين والوسط. لحظتها، فإن ميتران وعلى منوال الله ساد لكنه لم يحكم. بالتالي، اعتاد الفرنسيون على هذا الغياب للقيادة منذ خمسة وثلاثين سنة.
كانت حقا تجربة مفصلية الاستمرار لثلاثة أجيال في إطار نوع من البلوكاج السياسي. لم يذهب ذلك سدى، بل خلق مناخا مسموما، وتحديدا ما أسميه''التشاؤم المترف''، سمة فرنسا الناعمة… تكمن هذه النعومة الكئيبة في عدم القدرة على الإيمان بالحياة السياسية: السياسة، مجال حيث يحاصر الجميعُ الجميعَ، ويصبح الفساد خبزا يوميا، ثم من مختلف جهات الجمعية الوطنية يتجلى هذا النفوذ المميز برائحة معينة بنكهة عاشقي الطرائد. تمثلت أعلى ورطة لفرنسا السياسية، في هذا السحر المضمر للفساد اليومي.
غير أنه ''سحر'' لا يجد ذاته في منظور الناخبين. إن تحويل بعض أعضاء الحكومة نحو الجمعية الوطنية أثار شكوكا مشروعة.
نعم، بالتأكيد، لكن من الضروري فهم ماهية السياسة كمهنة. ماكس فيبر في مقالته الشهيرة: السياسة كمهنة (1919) مدح نوعا من إيتيقا السياسة الرواقية. السياسي، هو الصبر، والتعاون مع الزمان الطويل، والتطور البطيء، ثم خاصة الحفر في ألواح خشبية صلبة جدا يبدو تقريبا مستحيلا ثقبها. معجزة ماكرون أنه أحدث ثقبا هائلا، لكن في الموضع الأكثر نخرا من الخشب. كان حدسا قويا جدا.
تتكلمون على طُهْرية فرنسية معينة، لكن في ألمانيا يغادر السياسيون السفينة بمجرد طرح قضية من قضايا الفساد.
نعم، نطردهم بشكل سريع جدا، ثم ينسحبون بالسرعة نفسها. فقط لا يحدث كما الأمر في أمريكا مع هؤلاء الطُهْرانيين الحقيقيين الممتلكين لثقافة الاعتذار العمومي: يتم الجلد أمام الجمهور الواسع، ثم انتهى الأمر… نوع من الصفح الذاتي، فالاعتذار يكفي. في ألمانيا، لا يستقيم الأمر، يلزم الانسحاب. الأمر الذي يبعث على التحسر؛ لأن التجربة تؤخذ بعين الاعتبار في السياسة، والاحترافية ضرورية.
بناء على وجهة النظر هذه، ما يثير الانتباه نحو الجمعية الوطنية الفرنسية الجديدة أنها ستكون على طريقتها نوعا من التدريب بالنسبة لأغلب أعضائها. بذلك تشبه الجمعية الوطنية الأولى بعد الثورة، حينما أعلن ممثلو الطبقة الثالثة أو الشعب التئامهم. فقد تبلورت لديهم بتأثير من إيمانويل جوزيف سييس تلك الفكرة العظيمة قصد تأكيدهم بأن هذه الطبقة الثالثة تجسد أصلا في ذاتها وطنا كاملا.
هكذا اندلعت الثورة الفرنسية. كانوا جميعهم هواة، دون أقل تجربة سياسية: كتّاب وأغلبية من المحامين. وضع يتناسب أيضا مع أول برلمان للألمان، بعد الحرب العالمية الثانية: كان حشدا من المحامين والمدرسين، وهذا أفرز الجمهورية الألمانية الجديدة. اليوم، في فرنسا، تشكيلة المنتدبين أكثر اتساعا، نظرا لوجود متخصصين من كل الأصناف. خبراء في كل شيء، إلا مجال السياسة! ستكون تجربة غريبة: برلمان يشكله مبتدئون، وحكومة من أسماء مجهولة، ثم ''كاريزما-توقراطية" ماكرون.
استُحضرت صورة جوبيتر بالنسبة لايمانويل ماكرون، أما أنتم فقد وصفتموه على نحو مضحك جدا بجان دارك.
لكن أن لا يعدم حرقا! أجريت هذه المقارنة التاريخية؛ لأن ماكرون، على منوال جان دارك، يتقدم أمام وطنه كي يقوده إلى واجهة ما، ومثلها، يميزه إصغاء ورع تقريبا لصوت داخلي يملي عليه خطوته المقبلة. مع ذلك، سيكون بالتأكيد محاصرا خلال فصل الخريف؛ لأن الشارع الباريسي سيتحرك. أنا متيقن مطلقا أن هذه السلبية المتجلية عبر هذا الامتناع القياسي الذي سيغير السمة بعد الدخول السياسي، مادام أن أولى إصلاحات ماكرون المتوخى الشروع في إنجازها ستمس تشريعات العمل. بالتالي، يتوقع تماما حدوث تحركات مكثفة داخل جمهورية حيث النقابات دائما قوية جدا وتماهي المرفق العمومي مع اليسار.
لكن، من جهة ثانية، ولأن الرجل الشاب جد يقظ وضمن وضع مُدْرِك، فيمكن لهذا أن لا يقود إلى أي شيء، سواء كتعبير عن حنين، ونزوة. سيكون إذن اختبارا جديدا لحدة الكلمة النافذة التي قالها يوما "آلان بيرفيت"، مشيرا إلى خاصية الحياة الجمهورية الفرنسية، والتي جسدت ''التشنج الجامد''. يحوي في الواقع الحمض النووي للسياسيين الفرنسيين على تعبيرية فطرية. إنهم يعيشون في غمرة التعبيرية؛ لذلك شهد الدور الأول من الانتخابات الرئاسية إبداعا: أقصد الكرنفال، يمكن للجميع ارتداء أي لباس، لكن بعد خمسة عشر يوما حدثت العودة إلى التصويت المفيد، أو ''عصر العقل'' مثلما سيقول سارتر.
أعلنتم أيضا أن فرنسا ولجت عهد النضج مع اختيار إيمانويل ماكرون. لماذا؟
يعتبر الانحدار الفرنسي موقفا شبابيا، أو موصولا تقريبا بأرثر رامبو: نخلق الشعر ثم في ما بعد نختار طريق التدمير الذاتي… والحال أنه قد حدث شيء ما غير منتظر تماما مع ظاهرة ماكرون: قبل سنة ونصف، لم يكن بوسع أي شخص التكهن بظهور نَيْزكي تقريب إلى هذا الشاب، لكن خاصة التحول السيكولوجي لبلده. فاليوم يقول نصف الفرنسيين: ''لم لا؟''. إنها معجزة حقيقية.
ومن يوم إلى آخر، لا نتبيّن أبدا هذا البلد الكئيب، المستمتع بانحداره وكذا تشاؤمه المريح. سيكون في وسع فرنسا الخروج من هذه المراهقة المستمرة والاستياء الدائم الذي يكشف عن نفسه منذ ثلاثين سنة. يبدو حاليا، أن فرنسا تملك حظا وحيدا لملء هذا الوضع الجليل للرئيس، المصاغ على مقاس شارل ديغول ولم يتمكن أي وريث بعده مضاهاة قامته، من طرف أحد يمتلك رؤية إصلاحية حقيقية ومعنى للرموز، غير ميتران ربما. كان مدهشا، ترجل ماكرون الطويل أمام متحف اللوفر louvre، ليلة فوزه ثم تسليط الضوء على انفراد الشخص الذي اختير كي يحمل ثقل العالم على أكتافه الطرية العود. مع ذلك، لم يمنحه هذا مزيدا من التعاطف؛ فقسم كبير من فرنسا يرتاب.
أليس هناك مجال للخوف عندما يتم تركيز العديد من السلط بين أيادي شخص واحد، ثم أغلبية برلمانية مع إضعاف للمعارضة؟
بالتأكيد، يعلمنا الحذر السياسي تبني موقف التحفظ نحو السلطة، ثم لسنا مستعدين لعودة الملك الطيب. لقد عاش الملك المطلق روني دونجو خلال القرن الخامس عشر. بعده لم يحمل قط أي أمير صفة "طيب".
تودون القول بأنكم تتخيلون الرئيس ماكرون على شاكلة ''الملك إيمانويل الطيب''!
نعم، على الأقل في ما يتعلق بالوعد. لكنه وعد أخذه على عاتقه بمحض إرادته. أيضا ظاهرة جديدة نسبيا، بحيث لم تلتمس السلطة من أجل السلطة بل لتحقيق رؤية.
رؤية فعلا، ليبرالية تماما. لقد كتبتم منذ سنتين في عملكم: ''Ma France'' ما يلي: "بناء على واقع اليوم، من المستبعد تماما أن نعمل على تقويم فرنسا مثلما كان الشأن خلال التحرير ضمن منظور 1940''. هل التقويم في نظركم بصدد الانطلاق؟
لا نعرف أبدا. لكن خلال الأيام الماضية، استحضرت مقطعا من حواراتي مع ''آلان فينكييركرو''، مرت عليها حاليا خمسة عشر سنة، قبل أن نبتعد نهائيا. لقد قرأ كاتبا أوروبيا شرقيا يقر بما يلي: "يتمثل كل الرهان الديمقراطي، في الشغف والالتزام بشيء غير ناجز"، وهذا بالفعل مفارقة سن الرشد: تكريس كل قواك من أجل شيء ناقص كما لو هو أفضل ما تقدمه لك الحياة. خلال السنوات المقبلة، يلزم قيام الفرنسيين بهذا العمل. يبقى أن نعرف إذا كان بوسع ماكرون الذهاب بهم وفق هذا المسعى أو سيلزمونه على عزلة السلطة.
أي مستقبل ترونه لليسار الفرنسي؟
اعتقاد التصويت الفرنسي بانتهاء الحقبة التي كان اليسار يقدم أثناءها خدمة بخصوص شيء. لماذا؟ لأن الدولة مثلما هي تعتبر أصلا أكثر اشتراكية مما قد يصل إليه قطعا حزب اشتراكي، تتضمن اشتراكية الدولة الفرنسية قدرا من العناصر البنيوية للاشتراكية الفعلية؛ بحيث يمكننا القول صراحة بأن فرنسا تعيش ضمن'' نصف-اشتراكية فعلية''.
يضاف إلى هذا، الأوليغو-قراطية cratie-oligo، التي تشير إلى استئثار فئة صغيرة بالسلطة – لا ينبغي خلطها مع الأوليغارشية، وهي كلمة خاطئة من أجل تحديد البلوتوقراطية، أو حكومة الأثرياء- من خلال الأحزاب، والتي استرقّت الدولة تماما. لقد اكتفى قسم مهم من الفرنسيين. في المقابل، توفر لهم متدربون بصدد التكوين.
انتقلنا إذن من أوليغو- قراطية الأحزاب إلى الملكية الجمهورية
نعم هو كذلك. لكن يتجلى أيضا عنصر الانفعالية في حركة ماكرون، صيغة من الشعبوية، لكنها حاليا شعبوية ذات نزوع وسطي. هذه الشعبوية الليبرالية شاذة في فرنس؛ بحيث تهيمن خطاطة يسار- يمين مع وسط ضعيف. مع ذلك، في فرنسا القرن السابع عشرة أُبدعت السياسة المعاصرة، فأول من سموا ب''السياسيين'' هؤلاء الرافضين للانتساب، سواء إلى حزب بروتستاني أو كاثوليكي، لكنهم نجحوا في إحداث فجوة وسط هذا التصدع بين انفعالين. السياسة حسب الصياغة الشهيرة لألبير إيرشمان، هي فن إبطال مفعول الأهواء وتحويلها إلى مصالح. من المثير حقا رؤية أنه بعد ثلاثمائة سنة يحدث الاتفاق من جديد في فرنسا على فكرة أن السياسة تأتي من الوسط، والفضاء المحايد. هذا ثوري تماما.
الخطاب الأخير الحازم الصادر عن وزير الداخلية جيرار كولومب بخصوص المهاجرين أزعج كثيرا، ومتناقض ظاهريا مع ''واجب الإنسانية'' الذي تحدث عنه الرئيس. أنتم بدوركم خلقتم سجالا قويا حول هذه الإشكالية حينما صرحتم في شهر يناير 2016 لمجلة "cicero "بما يلي: "التدمير الذاتي ليس واجبا أخلاقيا".
لقد شعرت بكثير من الضجر بعد ذلك الحوار. صرحت بذلك لأنه في ألمانيا يدعم على العكس كثير من المناضلين وجود واجب التحطيم الذاتي. مما يعني الإنسانية في حالتها الخالصة، نتيجة التضحية بالذات لصالح الآخر. هناك شعار نردده عندنا منذ خمس وعشرين سنة: "أعزائي الأجانب لا تتركونا وحيدين مع الألمان!" هو بعد هزلي عن سؤال جسيم جدا؛ لأننا نجهل في العمق هل يوجد واجب التحطيم الذاتي أم لا. عدد اللاجئين في العالم مرعب، ولا يوجد حل مقنع، يلزم أن نختار دائما بين أنواع عديدة من عدم الرضى.
ألستم أنتم من استحضرتم في كتاباتكم أن هيلين "Enée"، الأب الأسطوري لأوروبا القادم من إيطاليا بعد انهيار طروادة، كان بدوره مهاجرا
صحيح، كان في الأصل تركيا. ما أردت الإشارة إليه هو أنه يلزم الأوروبيين مراعاة فكرة أن أوروبا بالنسبة للأجانب ولهم أنفسهم فضاء حظ ثان. منذ البداية، نحن ورثة للآخرين. هذا يمنح نوعا من الانفتاح على العالم، لكنه لا يتضمن أيضا استضافة تلقائية للجميع.
لقد صدرت حديثا في ألمانيا دراستكم الجديدة المعنونة ب:''بعد الله''. فماهي أطروحتها المركزية؟
يلزم أن نفهم جيدا أن ''موت'' الله، المعلن من طرف نيتشه، يمثل مجازا قويا جدا لأن الله بصدد أن يفقد أهميته في ما يتعلق بحياة الأشخاص. لكن ليس إلا مجازا، مادام أن الأعضاء وحدها قد تموت والله ليس في كل الأحوال مماثلا لجهاز عضوي. بل بالأحرى هو فكرة مٌنِظِّمة يمكنها أن تخبو أو تضعف، لكنها لا تموت. مع ذلك، حتى وإن ضعفت (حتى في فرنسا الفخورة جدا بعلمانيتها)، فالله هنا، لأن الأمر لا يتعلق بالحياة أو الموت، لكنها مهمة أو مفتقدة للأهمية.
وأقول، بأن الأهمية ظاهرة موسمية. مضمون أطروحتي أن الدين تحرر في أيامنا مادام قد خسر وظيفته الأولى المتمثلة في اختلاق جماعات. تصور جديد جدا لأنه إلى غاية دوركايم اعتقدنا أنه مع مفهوم الله كان المجتمع باستمرار مولعا بنفسه. راهنا، لا يشتغل المعطى بالكيفية ذاتها لأن التماسك الاجتماعي تضمنه أنظمة أخرى. الرحمة عوضتها بدائل تتجاوز فعاليتها الدين بألف مرة.
هل نرثيه؟
لا، الدين تحرر، ولم يعد يخدم شيئا. في اللحظة التي يتوقف على أن يكون بمثابة وثاق مجتمعي، فسينضم إلى الفنون ويصبح نوعا شعريا. يوجد نوعان من الشعر: القصائد التي أقرت بطبيعتها الشعرية، ثم قصائد أخرى لم تقر بعد بذلك. يقوم هذا التمييز عند نواة مفاهيمي. إن ديانة مرهقة بوظيفته الاجتماعية لا يمكنها الإقرار بكونه تخيلا. بينما الدين الذي بوسعه الإقرار بطبيعته الشعرية فهو حر.
تحتفلون اليوم بعيد ميلادكم السبعين وقد نسب إليكم منذ مدة طويلة لقب"نبي معاصر". جان بودريار، الذي عرفتموه، أحب أن يقول: ''أنا لا أتنبأ أبدا، بل أعمل فقط على التحذير'' وأنتم؟
النبي، شخص يخشى قبل كل شيء أن يكون على صواب؛ كذلك على وجه الاحتمال ما قصده بودريار. وألتمس أخطاء مبهجة، لحسن الحظ. بالنسبة إلي، أحب نظرية ''الكارثية المضيئة"، التي طرحها جان بيير دوبي Dupy، أحد طلبة روني جيرار في كتاب يلزم الرجوع إليه. باستمرار، وعلى وجه السرعة تقريبا، هناك كارثة في الطريق. بعض الكوارث الصغيرة، تخبر عن أكبرها. مثلا، الوضعية المأساوية للمحيطات، وتراجع الحياة البرية الطبيعية، والمستوى التراجيدي للتلوث، والانخفاض المتواصل لمستوى الأوكسجين…
من يوم إلى آخر، قد يحدث حتما شيء. الجميع يدرك ذلك. إنه تناقض حقبتنا: كل الكوارث قادمة، مع أنها جميعا تحت رقابة معتبرة وموصوفة حقا سلفا، مع ذلك نسمح لها بالحدوث. تُقارن البشرية قاطبة بساكنة مدينة نابولي بحيث يشيدون منازلهم فوق منحدرات بركان مقتربين من الفوهة أكثر فأكثر.
*1-l obs ;numéro 2747.29/06/2017.PP/63- 69.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.