أينما تجولت في ربوع المغرب، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، تقابلك المؤسسات التعليمية العمومية في حلة جديدة، بألوان زاهية، وجدران ملونة، ومُزيّنة بلوحات فنية بديعة. ولم تقتصر أعمال التزيين على الداخل من أقسام وساحات ومرافق صحية مجهزة ونظيفة، وإنما شملت أيضا واجهة هذه المؤسسات وجدرانها الخارجية، وكأنها مؤسسة تعليمية خصوصية. حتى إن كثيرا من هذه المؤسسات العمومية فاقت بجمالها عددا من المدارس الخاصة، لينتابك شعور بالإعجاب والسرور أمام هذه المشاهد الجميلة، التي افتقدتها مؤسساتنا التعليمية عهودا طويلة. وإذا استحضرنا ما رافق هذه العملية من توجيهات وزارية تحض الأساتذة والأطر العاملة على ضرورة الاهتمام بالهندام وجعله جميلا ومتناسقا ولائقا أكثر، إلى جانب اقتراح زي موحد للتلاميذ والتلميذات ومنح مجالس تدبير المؤسسات سلطة اختيار تصميم الزي الموحد حسب خصوصيات المنطقة والمستوى الاقتصادي والاجتماعي لآباء وأولياء التلاميذ، ندرك يقينا أن التعليم المغربي اليوم يشهد -بفضل هذه الإجراءات العملية والحازمة- ثورة جمالية مؤهلة لإعادة جزء من الثقة في المدرسة العمومية المغربية. وواضح حجم الجهد الذي اقتضته هذه المبادرة الوطنية، خاصة أن إعادة تأهيل جميع المؤسسات التربوية العمومية تم في ظرف وجيز وفي فترة زمنية تعرف في العادة فتورا في النشاط أو عطلة، إلى جانب الظروف المناخية الصعبة وتزامن الأشغال مع شهر رمضان، ثم في اللحظات الأخيرة مع أيام عيد الأضحى، كل ذلك والسيد وزير التربية الوطنية محمد حصاد لم يفتر نشاطه؛ إذ يقوم بجولات تفقدية وزيارات مفاجئة للمؤسسات العمومية للوقوف شخصيا على سير الأعمال ولمحاسبة المسؤولين عن كل تقصير في الإنجاز، وأيضا لحل المشاكل في عين المكان، واقتراح الحلول المناسبة والفورية. ولا شك أن العين المنصفة لهذه الجهود لا يمكن إلا أن تعترف بقيمة ما تم إنجازه وأهمية هذه الحركية الإيجابية التي شهدها قطاع التعليم ببلادنا، والتي لم تشمل تجميل جدران المدارس وأسوارها وساحاتها فحسب، وإنما أيضا إصلاح الطاولات وتوديع الطباشير بتغيير كل السبورات الخشبية، إذ تم وضع سبورات بيضاء تعتمد على الأقلام اللبدية. وأمام هذه الثورة الجمالية لا يسع الملاحظ إلا أن يعبر عن سروره أمام المشهد الجميل الذي سيكون له الأثر الطيب على نفوس الناشئة والأطر العاملة، وأيضا على محيط المؤسسات، وكل ذلك سيؤثر إيجابا في تربية الذوق الفني والإحساس الجمالي والشعور بالانتماء الممزوج بالفخر والاعتزاز. أمام هذه الثورة الجمالية التي تشهدها اليوم مؤسساتنا التعليمية في مختلف المستويات الابتدائية والإعدادية والثانوية وأيضا الجامعية، تكون وزارة التربية الوطنية نجحت في خلق أجواء جديدة من الفرح بالعودة إلى الدراسة؛ فالتلاميذ والتلميذات، بالإضافة إلى الأطر العاملة، كانوا كثيرا ما ينتقدون الفضاء المدرسي الذي لم يكن جميلا بالقدر الذي عليه القطاع الخاص؛ وكان هذا العامل أحد الأسباب الوجيهة التي تجعل الآباء يفرون بفلذات أكبادهم نحو مدارس القطاع الخصوصي التماسا لفضاء أجمل بمرافق صحية أنظف، ما لن يكون اليوم داعيا إلى هذا الفرار، وإنما على العكس قد تشهد المدارس العمومية خلال الموسم المدرسي الجديد هجرات جماعية للتلاميذ والتلميذات من القطاع العام نحو أقسام التعليم العمومي، ما يسمح بإعادة الثقة في التعليم المغربي عموما. ولعل هذه الثورة الجمالية هي البداية نحو ثورات أخرى معرفية ومنهاجية وبيداغوجية مؤهلة لإحداث طفرة إيجابية نحو إصلاح حقيقي للتعليم المغربي. وبدون شك فهذه الإجراءات الاستثنائية التي شهدتها مؤسساتنا التربوية خلال الفترة الأولى من تدبير السيد محمد حصاد لقطاع التعليم تضيف نقطا إيجابية لمعدلات تصنيف التعليم المغربي، وستؤكد ذلك التقارير الدولية التي ستصدر في الشهور القادمة، والتي كانت في السابق تصنف التعليم المغربي في مراتب متدنية وفي أسفل القائمة. ويبقى أخيرا أن تحظى هذه الإجراءات الجديدة التي عرفها قطاع التعليم العمومي بالمغرب، وخاصة الثورة الجمالية، باهتمام المجتمع وموظفي القطاع وأن يعترف بها أولئك الذين يشككون في إمكانية إصلاح حقيقي للتعليم المغربي. فبتكثيف الجهود وتعاون الجميع والاستمرار في التحديث، وأيضا صيانة المنجز وحماية المكتسبات، يمكن لهذا التعليم أن يرتقي كثيرا وأن يحقق في ظرف وجيز ما لم يتحقق في عهود طويلة، فاليد الواحدة تتعب بسرعة ولا بد من تعميم الشعور بالمسؤولية ونشر روح التضحية والتعاون، لأجل غد أفضل لقطاع تأخر نهوضه طويلا وحان وقت العمل، فهل من عامل يشمر عن ساعد الجد؟. كانت تلك نقط مضيئة من يوميات تدبير قطاع التعليم في المغرب، مع التركيز على الثورة الجمالية التي يشهدها حاليا، والتي تحتاج للوقوف على تفاصيلها إلى صفحات أخرى أكثر إشراقا، لعل الفرصة تتاح في القريب للحديث عنها بقرب أكثر، وبعين تكون قد دخلتْ الأقسام وتجولتْ في الأرجاء فشاهدتْ معالم هذه الثورة الجمالية أو الربيع الأنيق لمدارس المغرب العميق.