يبدو أن الجماعات الإسلاموية المتطرفة والإرهابية ومن يدعمها ويمولها لم يكتفوا بما ألحقوه خلال ست سنوات من الخراب والدمار وتفكيك الدولة الوطنية وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية في كثير من البلدان العربية، ومزيد من تمكين الغرب وتدخله في شؤوننا الداخلية بل إعادة الاستعمار مجددا، بالإضافة إلى ما حققته إسرائيل من مكاسب حيث تعيش عصرها الذهبي وتفرغت كليا لتوسيع مجال الاستيطان في فلسطين والاستيلاء على المقدسات دون خوف أو خشية من ما يسمى بالعالم الإسلامي والعالم العربي؛ فقررت هذه الجماعات، بعد أن تمت محاصرتها وتراجعها في سوريا والعراق، أن تنقل أو تعزز نشاطها في أماكن أخرى. حاولت هذه الجماعات تمديد أو إعادة نشاطها الإرهابي في المغرب والجزائر والأردن، ولم تفلح في ذلك لغياب الذرائع الطائفية والمذهبية في هذه البلاد ولقوة الدولة ووعي الشعب والنخب السياسية في السلطة والمعارضة، فقررت هذه الجماعات التوجه وتعزيز إرهابها في سيناء في إطار دور وظيفي مختلف. لا شك في أن لإرهاب الجماعات الإسلاموية في مصر تاريخ طويل يعود إلى التنظيم السري للإخوان في الأربعينيات والخمسينيات، ثم إلى الجماعات التي ظهرت في عهد الرئيس السادات كالتكفير والهجرة، والجماعة الإسلامية والتي استهدفت السياح ومؤسسات الدولة والمثقفين حتى السادات نفسه تم اغتياله على يدهم، إلا أن الجماعات الإرهابية الحديثة في سيناء تأتي في سياق مختلف. ظهور هذه الجماعات، التي تعتدي على الجيش المصري، في سيناء يعود إلى عام 2004؛ وهو العام التي بشَّرت به واشنطن بما يسمى (الفوضى الخلاقة)، وهو العام الذي تم فيه اغتيال الرئيس أبو عمار ووصول التسوية السياسية إلى طريق مسدود والتفكير الإسرائيلي بالخروج الأحادي من قطاع غزة وتوجه التفكير الإستراتيجي إلى صناعة دولة غزة بحدودها القائمة أو التوسع باتجاه سيناء.. وهكذا، وبالرغم من إعلان هذه الجماعات، وخصوصا (أنصار بيت المقدس)، الولاء لتنظيم داعش تحت مسمى (ولاية سيناء) فإنها من أكثر الجماعات الإسلاموية إثارة للتساؤلات حول دوافع تأسيسها والجهات التي تقف وراءها؛ فلا قاعدة شعبية لها، سواء في مصر أم في سيناء أم في العالم العربي والإسلامي. كما أن جغرافيا وديمغرافيا سيناء لا يسمحا بإقامة دولة الخلافة الإسلامية، بخلاف تنظيم القاعدة الذي ارتبط في بداية نشوئه بتحرير أفغانستان من السوفييت، ثم لاحقا بمواجهة التدخل والنفوذ الأمريكي في العالم الإسلامي، وتنظيم داعش الذي ارتبط بفوضى الربيع العربي وبدولة الخلافة الموعودة (الشام والعراق) بالإضافة إلى وجود تركيبة سكانية متعددة المذاهب والأعراق توفر بيئة خصبة للتطرف حيث يعمل التنظيمان. بالإضافة إلى ما سبق، فإن أغلب أنشطة إرهابيي سيناء تقع في منطقة شمال سيناء وهي منطقة فقيرة ماديا.. وعليه، فلا يمكن أن تمول نفسها ذاتيا، بل وراءها جهات دولية تمدها بالمال والسلاح والدعم اللوجستي، ومن غير الوارد أن هذه الجهات معنية بإقامة دولة الخلافة في سيناء، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذه الجماعات تتمركز في المنطقة المحاذية لقطاع غزة وإسرائيل وتستهدف الجيش المصري ولا تستهدف إسرائيل.. لذا، من المنطقي أن نتصور أهدافا ومخططات لهذه الجماعات ومن يقف وراءها تتجاوز البعد الديني وتتجاوز سيناء ذاتها. تأسيسا على ما سبق، نعتقد أن مَن يقف وراء هذه الجماعات الإرهابية التي تنشط في سيناء يسعى إلى تحقيق هدفين رئيسين: 1- استهداف الأمن القومي المصري استكمالا لفوضى الربيع العربي ففي ظل الفوضى التي تضرب المنطقة والصراعات بين الدول العربية وبعضها البعض، فإن مصر الدولة الأكثر تأهيلا وقدرة على استنهاض الحالة العربية وتصويب مسارها ومواجهة المؤامرات على الأمة العربية من إسرائيل أو الغرب أو دول الجوار، والجماعات الإرهابية تسعى إلى إضعاف هذا الدور وعرقلته من خلال إشغالها للجيش المصري، وما يعزز هذه الأطروحة هز أن مصر وبعد ثورة 30 يونيو أربكت مخططات مهندسي فوضى الربيع العربي ووجهت ضربة إلى أحلام الجماعات الإسلاموية، بالإضافة إلى دور مصر الداعم للدولة والنظام في سوريا في مواجهة الجماعات الإسلاموية المعارضة، وخصوصا تنظيم داعش. 2- إحداث فراغ أمني وسكاني في سيناء حيث إن العمليات الإرهابية وردة فعل الجيش المصري يؤديان إلى حالة أمنية متوترة لا تؤسس لتنمية أو استقرار بل وتدفع السكان إلى الهجرة إلى العمق المصري، فلا نستبعد وجود مخطط لتفريغ سيناء من سكانها تمهيدا لتهيئة سيناء لأية تسوية سياسية تتضمن دولة فلسطينية تكون جغرافيتها قطاع غزة الموَسَع تجاه سيناء. وفي هذا السياق، قد لا يكون مصادفة أن العملية الإرهابية الأخيرة في سيناء تزامنت مع تحريك ملف المصالحة الفلسطينية. وأخيرا، نتمنى عدم رهن أو ربط فتح معبر رفح ورفع الحصار عن غزة والمصالحة الفلسطينية بتطورات الحالة الأمنية في سيناء.