نشرت إحدى الجرائد الوطنية الأسبوع الماضي مقالا كشفت فيه معطيات مُرِيبة بخصوص المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، فحواها أن لوبي الفساد والريع والمحاباة الحزبية هو الذي يقف وراء مذكرة الترشيح لشغل 36 منصبا بهاته الأخيرة، تهم 12 منصب كاتب عام، و24 منصب مدير مساعد، مما وصفتْه بالفضيحة، لا سيما أن تلك المراكز "مؤسسات شبح"، و"فارغة"، و"مشلولة"، و"دون أية قيمة مضافة"، بحسب الصحيفة، لأن التكوين بها مُعطَّلٌ منذ ثلاث سنين، بعد أن اتجهت الدولة إلى التوظيف بالتعاقد! بعدها مباشرة ردَّت وزارة التربية الوطنية ببلاغ أوضحت فيه أن المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين ليست مشلولة، لأنها "تضطلع بمهام تكوين وتأطير هيئة التدريس، [وهذا غيرُ صحيح منذ ثلاث سنين]، وكذا المترشحين لاجتياز مباريات التبريز للتعليم الثانوي التأهيلي [وهذا لا يشمل إلا مراكز محدودة للغاية، بينما لا تعرف المراكز الأخرى وفروعها، ومنها المركز الذي أشتغل به، شيئا اسمه التبريز]، وكذا أطر الإدارة التربوية وهيئة الدعم الإداري والتربوي والاجتماعي، فضلا عن كونها تقوم بتنظيم دورات للتكوين المستمر لفائدة مختلف فئات موظفي الوزارة [كثير من المراكز قاطعت تكوين المتعاقدين لأنه من اختصاصات الأكاديميات الجهوية التي هم تابعون لها]، وأنشطة البحث العلمي التربوي النظري والتطبيقي، إضافة إلى إنتاج الوثائق التربوية، واقتراح مشاريع إصلاح وتجديد مناهج وبرامج التكوين، كما أنها مقبلة على استقبال حوالي 20000 متدربة ومتدرب بصفة رسمية إلى غاية شهر يوليوز2018." وإذا كانت الوزارة قد ردت ببلاغ على ما كان من اللازم التحقيق فيه أولا، فإني أطالبها بفتح تحقيق حول النقط الآتية التي تجعل بالفِعل فئاتٍ مُعيَّنةً داخل المراكز الجهوية موظفين أشباحا، لا بإرادتهم، ولكن بإرادة من جاء بهم إلى المراكز، أو أبقاهم فيها بعد أن أدَّوْا مهامهم التي أوكِلت إليهم: أساتذة الشُّعَب التي لم يعُدْ لها وُجود في أسلاك التعليم الثلاثة، كشعبة الموسيقى، والتي عُطِّلت منذ أربع سنين، ولا يزال أغلب أساتذة شعبة التربية الموسيقية بالرباط ومكناس مُعطَّلين تائهين بالمراكز، ولا يَعرفون لهم مهامَّ مُعيَّنة، اللهم إلا ما يُسنَد إلى بعضهم من مصوغات لا علاقة لها بتخصصهم، كالتشريع المدرسي أو الحياة المدرسية أو ما شابههما. إغراق كثير من الشُّعب بأساتذة فوق الحاجة، بل بتضخم كبير للغاية، إلى درجة أن الواحد منهم – ومنهم كاتب هذا المقال – قد يشتغل العام كلَّه بساعتيْن أو أربع ساعات في الأسبوع! ومن العجائب – وعجائبُ المراكز جمةٌ – أن الوزارة أعلنت السنة الماضية عبر المذكرة 027/17 عن مباراة تعيين وإعادة تكليف لانتقاء دفعة أخرى من الأساتذة! لولا احتجاج النقابة الوطنية للتعليم العالي الذي أفضى إلى تجميد نتائج تلك المباراة، بسبب مخالفتها للمادة 14 من مرسوم إحداث المراكز، غير أننا لا ندري إلى اليوم مصيرَها النهائي، بفعل سكوت الوزارة عنها سكوتا مطبقا! إغراق المراكز بكثير من الموظفين المُعفوْن بدلَ ردِّهم بكرامتهم إلى ممارسة مهامهم الأصلية التي تطابق تخصصاتهم، وآخرها المُديرُ المعفى الذي نزل بملحقة مكناس وسط همهمات حول الذراع السياسية المتنفذة التي تقف وراء تعيينه، وحول وُشوك "توزيع" 48 موظفا آخر على المراكز الأخرى! إغراق إدراة المراكز بموظفين وإداريين لا حاجة إليهم بالبت والمطلق، حتى إن بعضهم ليس لديه لا مهمَّة محدَّدة، ولا مكتبٌ مُعيَّنٌ، وأحسنهم حالا إداريو الخزانة والمصالح المالية والحراسات العامة ممن لهم مهمة ومكتب، حيث قد تجد مثلا خمسة موظفين في الخزانة الواحدة، وهي لا يتطلب إلا موظفا واحدا، لا غير! وللإشارة المُريبة فإن هؤلاء الموظفين قد أتوا إلى المراكز دون مباراة، ولا مُذكرة ترشيح، وقد تم تغيير أطر كثير منهم إلى إطار ملحق تربوي أو ملحق الإدارة والاقتصاد، بموجب المادة 109 من النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية، ولا يزال بعضهم يحافظون على إطار "أستاذ" في أحد الأسلاك الثلاثة، في الوقت الذي تعرف فيه المؤسسات التعليمية خصاصا يتحدث عنه القاصي والداني!! وهذا الخلل ينسحب على الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، كما على مديرياتها الإقليمية. وإذا كانت الوزارة هذه الأيام على قدم وساق في لقاءات مستمرة لتفعيل مبدإ "ربط المسؤولية بالمحاسبة" - وقد استفاقت متأخرة للغاية بعد سبع سنين من صدور المبدإ الدستوري الجديد! – فإني أدعوها إلى ربط القول بالعمل عاجلا في الاختلالات المذكورة، ترشيدا للموارد البشرية بالمراكز، وإلا فإنه لا سبيل إلى إقناع أحد بالشعارات المجردة.