في الوقت الذي حسم فيه الملك محمد السادس في فتح مهنة "عدل" في وجه المرأة المغربية، خلال المجلس الوزاري الذي ترأسه أمس الاثنين بالقصر الملكي بالدار البيضاء، ما زال الموضوع يثير الجدل وسط مهنيي القطاع؛ فيما تساءل متتبعون للشأن الديني عن فحوى الرأي الذي استند عليه المجلس العلمي الأعلى. وأشار بلاغ صادر عن عبد الحق المريني، الناطق الرسمي باسم القصر الملكي، عقب المجلس الوزاري، إلى أن عاهل المملكة اطلع على رأي المجلس، حول "جواز ممارسة المرأة لمهنة "عدل"، بناء على الأحكام الشرعية المتعلقة بالشهادة وأنواعها، والثوابت الدينية للمغرب، وفي مقدمتها قواعد المذهب المالكي"، موردا أن القرار يأتي بعدما "سبق للملك أن كلف وزير العدل بالانكباب على دراسة هذه المسألة، كما أحال الموضوع على المجلس العلمي الأعلى قصد إبداء رأيه فيه". الملك كلف إثر ذلك وزير العدل في حكومة سعد الدين العثماني بفتح خطة العدالة أمام المرأة، واتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق هذا الهدف، على أن هذه الخطوة تأتي أيضا "اعتبارا لما وصلت إليه المرأة المغربية من تكوين وتثقيف علمي رفيع، وما أبانت عنه من أهلية وكفاءة واقتدار في توليها لمختلف المناصب السامية". ويرى إدريس الكنبوري، الباحث في الشأن الديني، أن قرار إدماج المرأة في خطة العدالة يندرج ضمن ما وصفه ب"الإصلاحات التي انطلقت الفترة الأخيرة، ضمنها إعادة هيكلة المجال الديني"، مشيرا إلى أن المغرب بات معنيا بتوجيه رسائل دوليا وإقليميا وداخليا مفادها "أنه ماض في الانفتاح على الشأن الديني ومحو بعض الأفكار العالقة بمفاهيم تخص المرأة، والتي سيطرت عليها التقاليد التاريخية وبات من غير الجائز المساس بها". وطرح الكنبوري عدم اطلاع الرأي العام على فحوى رأي المجلس العلمي الأعلى والمبررات الشرعية التي جرى الاستناد عليها؛ غير أنه قال، في تصريح لهسبريس، إن الخطوة تدخل في سياق "نوع من الاجتهاد الفقهي الحديث في التعامل مع قضايا المرأة، خاصة توليها للمهام المرتبطة بشؤون القضاء والعدالة". وتوقع الباحث المغربي أن يثير القرار مزيدا من الجدل في المغرب "باعتباره موقفا جديدا ولا توجد له سوابق تاريخية في البلاد، ولأن ولاية المرأة مرتبطة في الفقه الإسلامي دوما بالرجل"، مشدد على أنه من الناحية النظرية "ليس هناك ما يمنع المساواة بين الرجل والمرأة في المسؤوليات"، حيث إن الملاحظ في المغرب، يضيف الكنبوري،"فُتِح القضاء أمام النساء بجانب المحاماة والشرطة والأمن، فليس هناك مسوغ لإغلاق المجالات في وجه النساء، خاصة إن كانت القرارات مبنية على معطيات علمية دقيقة". وفي المقابل، يرى شكيب مصبير، الكاتب العام للنقابة الوطنية للعدول بالمغرب، أن القرار، الذي قال إنه كان منتظرا، "شكل لنا صدمة منذ طرحه في عهد الحكومة السابقة ضمن خطة إصلاح منظومة العدالة"، مبررا هذا الموقف "لأننا نرى الإصلاح ينبغي أن يكون شموليا"، موضحا أن ولوج المرأة إلى مجال العدول "يأتي في ظل وضع مهني متأزم ومليء بالمشاكل، فالعدول الجدد يشكون الضائقة المالية". ويرى مصبير، في تصريح لهسبريس، أن إضافة العنصر النسائي في المجال "لن يضيف شيئا، سوى الالتحاق بطابور البطالة"، ليطرح بدوره إشكالية رأي المجلس العلمي بالقول: "نتساءل عن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة والفقه المالكي، بالرغم من أن المغرب بدأ يتجاوز هذا المذهب في بعض القضايا"، ليشير إلى أن القرار "سيجرنا إلى النقاش مرة أخرى، وهنا نطرح ضرورة ألا يستثني الدستور المغربي المرأة من ولوج كل المسؤوليات، بما فيها إمارة المؤمنين".