قال الداعية الإسلامي عمرو خالد إن رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك العالم التي عرض فيها عليهم الإسلام تمثل نموذجًا في الانفتاح على العالم الخارجي، إذ أدار النبي أول حوار للأديان مع وفد نصارى نجران بالمسجد النبوي بالمدينة. وأضاف خالد في الحلقة السابعة عشرة من برنامجه الرمضاني "السيرة حياة" أن وفدًا من نصارى نجران، تألف من 14 رجلاً من أشرافهم - وروايات أخرى تقول إن عددهم 60 من أساقفة ورجال كنيسة نجران- قدموا إلى المدينة، وأقاموا بالمسجد النبوي، وليس في خيام خارجه، تكريمًا من النبي لهم، وأقاموا شعائرهم فيه..تقول الرواية: "لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ عَلَى رَسُولِ اللهِ...دخَلُوا عَلَيْهِ مَسْجِدَهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ فَحَانَتْ صَلَاتُهُمْ، فَقَامُوا يُصَلُّونَ فِي مَسْجِدِهِ فَأَرَادَ النَّاسُ مَنْعَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ دَعُوهُمْ، فَاسْتَقْبَلُوا الْمَشْرِقَ، فَصَلَّوْا صَلَاتَهُمْ". واعتبر خالد أن "الهدف من الحوار هو الوصول إلى منطقة مشتركة مع الآخر (كلمة سواء)"، وزاد: "وردت الإشارة إليه في سورة آل عمران، لأنهم هم المشترك بيننا، فكلنا نحب عيسى ابن مريم وأمه"، وأشار إلى أنه "لما سأل وفد نصارى نجران النبي: لماذا تسب صاحبنا - يقصدون عيسى - وتقول إنه عبد الله؟ أجاب: أجل، إنه عبدالله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول.. "إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون"". ولفت خالد إلى أن "الحوار انتهى دون أن يسلموا، وتمسكوا بالمسيحية؛ لأن الحوار لا يعني التنازل عن الأفكار، فكل شخص حر في أفكاره، لكن المهم انفتاح الطرفين على بعضهما ومنع الصراع"؛ كما قال إن "الحوار انتهى بتوقيع معاهدة سلام، وكتب لهم النبي عهدًا قال فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله للأسقف أبي الحارث، وأساقفة نجران، وكهنتهم، ورهبانهم، هذا كتاب أمان من الله ورسوله لأهل نجران.. لهم جوار الله ورسوله على أنفسهم وملتهم وأرضهم وأموالهم وغائبهم وشاهدهم لا يغير أسقف من أسقفته، ولا راهب من رهبانيته، ولا كاهن من كهانته، ولا يغير حق من حقوقهم، ولا سلطانهم، فهم في جوار الله ورسوله أبدًا ما أصلحوا غير مبتلين بظلم ولا ظالمين..أي طالما لم يظلموا أحدا". وعلق خالد قائلاً: "كلمة أبدًا إشارة إلى ما بعد النبي، وصية منه أبد الحياة لكل مسيحي إلى يوم القيامة؛ فمن دمر كنيسة أو قتل مسيحيًا بدون ذنب بعد ذلك فهو ناقض لعهد رسول الله لهم"، وذكر أن "كل أحكام المعاملات مع المسيحيين ببر وإحسان كانت استنادًا إلى كتاب النبي"، مستدلا بأن "الإمام الشافعي يقول: "إذا تزوج مسيحية فحقها عليه أن يوصلها إلى الكنيسة ولا يمنعها منها"، وزاد: "لكن هل يعرض عليها الإسلام أم لا؟.. الإمام أبوحنيفة يقول: يعرض بشرط عدم الإكراه.. "لا إكراه في الدين"؛ بينما الإمام مالك يأمر أولاده بزيارة أخوالهم المسيحيين ويبرهم ويهديهم الهدايا ليطيب خاطرهم، وتنفيذًا لأمر الله: "أن تبروهم وتقسطوا إليهم". علاوة على ذلك، عرض خالد نماذج من انفتاح النبي على العالم الخارجي، من خلال توجيه رسائل لكل ملوك العالم يعرفهم بالإسلام، فأرسل 48 رسالة إلى 48 ملكًا وحاكمًا حول العالم في السنة السادسة من الهجرة، أشهرها 8 رسائل إلى قيصر ملك الروم، كسرى ملك الفرس، النجاشي ملك الحبشة، المقوقس حاكم مصر، ملك البحرين، ملكي عُمان، ملك اليمن، الحارث الغساني، أمير الغساسنة بالشام، وأضاف: "وقع اختيار النبي على الشخصيات التي حملها رسائله إلى ملوك العالم، وكانوا بمثابة سفراء له، وفق صفات شخصية لكل منهم، فأرسل دحية الكلبي إلى الروم، وكان حسن الصورة، طويلاً، شديد الذكاء، يجيد لغة الروم، وأرسل عبدالله بن حذافة السهمي إلى ملك الفرس، وهو شخص هادئ لطيف، ليتحمل سخافة كسرى ملك الفرس، لأن الفرس يكرهون العرب، وله خبرة في السفر، إذ هاجر من قبل إلى الحبشة، بالإضافة إلى شجاعته، ومعرفته بلغة الفرس؛ بينما حمّل عمرو بن أمية الضمري، رسالة إلى ملك الحبشة، وكانت له خبرة بالحبشة وسافر إليها أكثر من مرة..كان شجاعًا وجريئًا جدًا، لا يهاب الملوك لكن يجيد احترامهم والتعامل معهم، وأرسل إلى المقوقس حاكم مصر، حاطب بن أبي بلتعة، وكان تاجرًا وثريًا، وشخصية متحضرة، وعلى علم بتاريخ الأمم؛ فكان اختياره ليناسب حضارة المصريين". وأوضح الداعية أن "النبي أرسل العلاء بن الحضرمي إلى ملك البحرين، وكان يقول الشعر، وعرف بشجاعته، مثل صفات الملك الذي يحمل رسالة النبي إليه؛ وأوفد عمرو بن العاص إلى ملكي عمان، وكان معروفًا عنه ذكاؤه ودهاؤه، فهو من دهاة العرب، وله خبرة في السفر، ولأنه سيفاوض شخصيتين ذكيتين"، وذكر أن "كل من قرأ رسالة النبي من الملوك انبهر بها، لأنه نموذج منفتح وهو في مدينة صغيرة بشبه الجزيرة، وكان هدفها لفت النظر إلى دعوة جديدة بشكل مركز، قال فيها: من محمد رسول الله إلى عظيم الفرس، عظيم الروم، عظيم مصر، احترامًا لمقاماتهم"، وزاد: "جميعها استهلها ب"بسم الله الرحمن الرحيم"، وهي كلمات جديدة على ملوك العالم، لابد أنها ستحرك فضولهم لقوتها ورحمتها "الرحمن الرحيم"". وأشار المتحدث إلى أن النبي "عرف نفسه بوظيفته إذ قال: من محمد رسول الله"، مردفا: "تكررت كلمة السلام والسلم خمس مرات في كل رسالة..أما عبارة "أسلم تسلم" فليست تحديًا أو تهديدًا، وإنما من باب النصح، وإلا لكان وجه لهم كلامًا شديد الحسم: "لأرسلن لك جيشًا أوله عندك وآخره عندي""، وتابع: "كما أنه لم يأمر أو يطلب من أحد أن يتخلى عن ملكه، فالنبي لا يريد الحكم، ولم يقل إن له سلطة دينية أو سياسية؛ فعبارة لا كهنوت ولا سلطة تعني أنه لا يريد الحكم". وذكر عمرو خالد أن النبي "طرح في الرسائل أكثر من خيار بديل، وترك الأمر للمرسل في اختيار الذي يراه صالحًا له ولرعيته..البديل الأول أن يُسلم، الثاني: ألا تسلم ولكن تعالى إلى منطقة مشتركة بيننا"، وزاد: "لذا ختم بالآية "تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم"". وأشار خالد إلى أنه "لم يسلم أحد إلا ملكا البحرينوعمان، في حين أن الآخرين رفضوا"، مستطردا: "لكنها رسالة لكل مسلم بالانفتاح على الناس، وتحرير المسلمين من عقدة الخوف وعدم الثقة في النفس بالانفتاح، فقد كانت قريش تحقر غيرها من العرب، لكن تستصغر نفسها أمام الفرس والروم، فحرر النبي الصحابة من هذا الخوف؛ فضلاً عن التقبل العالمي لوجود كيان جديد اسمه الإسلام، وإثبات أنه دين عالمي ليس محليًا.. "وما أرسلناك إلا كافة للناس"".