دعا فاعلون حقوقيون ومحامون مغاربة إلى بلورة ائتلاف مغربي للتسامح ونبذ العنف، يكونُ هدفه مُحاربة كل أشكال العنف والكراهية، التي باتتْ تجدُ لها مكاناً داخل المجتمع المغربي، مع الطَّفرة التكنولوجية التي حوّلتْ العالمَ من "بناء كوْني" إلى "قرية صغيرة". جاءَ ذلك ضمن أشغال مائدة مستديرة نظمتها هيئة المحامين بالرباط حول "التحولات المجتمعية وإشكالية التسامح من أجل ائتلاف مغربي للتسامح ونبذ العنف"، بمُناسبة اليوم العالمي للتسامح، الذي يُصادف 16 نونبر من كل سنة. وقال نقيب المحامين بالرباط، محمد بركو، إنَّ "التّسامح هو الفضيلة التي تُسيرُ قيم السلام، وتسهر على إحلال ثقافته وثقافة الحرية وتعزيز التفاهم المتبادل للثقافات بين الشعوب". وأضاف النقيب، في تصريح لجريدة هسبريس، أنَّ "التسامح على مستوى الدولة يقتضي ضمان العدل، وعدم التحيز في نفاذ القوانين والإجراءات القضائية، وإتاحة الفرص الاجتماعية والاقتصادية لكل شخص دون أي تمييز على أساس ديني أو جنسي أو إعاقة". وأوضح أن "التحولات المجتمعية على المستوى الوطني، التي تمتازُ بمتغيرات العولمة وتدفق حركات الهجرة واللجوء وتغيير الأنماط المجتمعية.. كلها عوامل يمكن أن تمس بقيم التسامح وتهدم الاستقرار والتعايش داخلَ البلد الواحد". وبغية إشاعة المزيد من التسامح في المجتمع، ينبغي للدول، حسب نقيب هيئة المحامين بالرباط، أن "تصادق على الاتفاقيات القائمة بشأن حقوق الإنسان، وأن تصوغ عند الضرورة تشريعات جديدة لضمان المساواة في المعاملة وتكافؤ الفرص لكل فئات المجتمع وأفراده". ودعا نقيب المحامين بالرباط إلى الاهتمام أكثر بالمناهج التربوية والتعليمية، التي من المفروض أن تلقن الناشئة قيم التسامح ونبذ العنف والقبول بالآخر، مستنداً في ذلك على المادة الرابعة من "إعلان مبادئ بشأن التسامح"، الذي اعتمده مؤتمر اليونيسكو سنة 1995، والذي يقرُّ في ديباجته على أنَّ "التعليم هو أنجع الوسائل لمنع اللاتسامح، وأول خطوة في مجال التسامح هي تعليم الناس الحقوق والحريات التي يتشاركون فيها لكي تحترم هذه الحقوق والحريات، فضلاً عن تعزيز عزمهم على حماية حقوق وحريات الآخرين". من جانبه، قال محمد الصبّار، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، إنَّ "المؤسسة تستند في أحكامها على مرجعيات دولية ووطنية، من بينها القانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي يشمل عدة نصوص تناولت موضوع الكراهية من مختلف الجوانب، ومنها كذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد العالمي للحقوق المدنية والسياسية، الذي تنص المادة العشرون منه على أنه تُحظر بالقانون كل دعوة إلى الكراهية، والعنصرية الدينية تشكل تحريضاً على الكراهية". أمَّا على المُستوى الوطني، فتوقَّف الرجل الثاني في المجلس الوطني لحقوق الإنسان عند توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة التي نصت على "منع كل أشكال التمييز المدانة دولياً، وكل أشكال التحريض"، مضيفا أن دستور 2011 نصَّ كذلك في ديباجته على حظر كل أشكال التمييز. وأضاف الصبّار أن "هناك آليات كثيرة تمَّ إحداثها من أجْل زرع بذور التسامح في المجتمع المغربي، مثل استراتيجية تأهيل الحقل الديني وترشيده، من أهمها إعادة تهيئة وزارة الأوقاف عبر إحداث مديرية المساجد ومديرية التعليم العتيق، وإحداث الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء، وإعادة تنظيم مؤسسة دار الحديث للعلوم الشرعية والدينية، وإطلاق إذاعة محمد السادس. وأكد الصبار أن "المغرب ملزم بحماية حقوق الأفراد وحرياتهم من خلال الالتزام بالاتفاقيات الدولية، التي تنطلقُ من رصد الانتهاكات وإعداد تقارير تتضمن نتائج الرصد، ورفعها إلى الجهات المختصة حتى تتم معالجتها"، مقراً بأن "القوانين وحدها غير كافية، وإنما هي مكملة فقط ضمن تدابير أخرى". واسترسل الحقوقي قائلاً إن "التربية على حقوق الإنسان داخل الوسط المدرسي تشكّل ورشا مفتوحاً في مواجهة الكراهية والعنصرية الدينية، لاسيما عبر تربية الناشئة على احترام الآخر ونبذ الكراهية"، مردفاً أن "المدرسة تظلُّ الحاجز الأنعم لتمدد التطرف والخطاب الإقصائي". أما آدم الرباطي، راعي كنيسة المجد بمدينة تمارة، فأكد، في تصريح لجريدة هسبريس، أن "المجتمع المغربي تتداخل فيه مجموعة من الروافد الدينية، وهو ما جعلهُ تجربة فريدة من نوعها في التعايش والتسامح"، قبل أن يستدرك بأنه يلمسُ تغييراً طارئا يشهده المجتمع، حيث قال إن "أحزاباً غيَّرتْ في الآونة الأخيرة خطابها السياسي والديني، وهو ما ولّد خطاباً مضاداً يتسم بالعنف ومغلف بالكراهية". وأضاف الناشط المسيحي أن "هناك أطرافا حكومية تسهم في نشر الخطاب الإقصائي داخل المجتمع المغربي، من خلال الإقرار بعدم وجود أقلية دينية في المملكة".