أجمع المشاركون في الندوة الأولى لجامعة مولاي علي الشريف، التي تجري أعمالها بمدينة الريصاني، على أن الملك الراحل الحسن الثاني كان له بُعد نظر، وكان يتحلى برؤية استشرافية بعيدة المدى في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ووضع مخططات حكيمة يجني المغرب ثمارها اليوم. عبد النبي اضريف، أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق عين السبع الدارالبيضاء، قال في مستهلّ عرضه إن الملك الراحل منذ تقلّد مقاليد الحكم وضع دائما نصب عينيه الرهان الاجتماعي، وربط هذا الرهان بالسياسة الاقتصادية، اقتناعا منه بألا تنمية حقيقية بدون كسب الرهان الاجتماعي. وأوضح اضريف أنّ الحسن الثاني أدرك أن التنمية الاجتماعية لا يمكن أن تتحقق بدون إحداث مؤسسات، فأنشأ عددا من المؤسسات العمومية ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي، من أجل إخراج المغرب من دائرة التخلف الاقتصادي والاجتماعي الذي تركه الاستعمار، ومن بين هذه المؤسسات التعاون الوطني والإنعاش للوطني. وأضاف أن مؤسسة التعاون الوطني كانت أول مرفق اجتماعي عرفه المغرب، وهي مؤسسة أسسها الملك الراحل محمد الخامس، وطورها بعده الملك الراحل الحسن الثاني، وعرفت في عهده دينامية في عملها، حيث ساهمت في إنتاج عدد من المنظمات التي ساهمت في النهوض بالمجتمع ورفع مستواه. واستطرد المتحدث ذاته قائلا إن السياسة التي نهجها الحسن الثاني في مجال التنمية كان لها أثر بالع على معيشة المواطنين، وعلى تحسن وضعيتهم الاجتماعية بمختلف مناطق المغرب، مبرزا أن الملك الراحل كان يدرك أن الدولة ستنهار في حال عدم الاهتمام بالجانب الاجتماعي. فوزية البيض، أستاذة التعليم العالي والمساعدة بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالدارالبيضاء، قالت إن الحسن الثاني عُرف بكونه ملكا ذا كاريزما تعطي قوة هائلة لخطبه وتوجيهاته إلى المسؤولين، وأنه كان من الشخصيات التاريخية المعروفة بالتخطيط الاستراتيجي المحكم. وأضافت البيض أن الحسن الثاني قام بتحديث بنية المملكة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وجعل المغرب دولة تستشرف المستقبل في كل المجالات وعلى جميع المستويات، مشيرة إلى أنه أطلق مناظرات شاركت فيها النخب المثقفة بمختلف مشاربها، وكانت هذه المناظرات تأطيرا للفعل السياسي والاجتماعي والثقافي. وأبرزت أستاذة التعليم العالي أن الرؤية المستقبلية التي كان يتمتع بها الملك الراحل جعلته ينشئ عددا من المجالس العليا، لإقامة توازن بين ما تفكر فيه الحكومات وبين حاجيات المجتمع، مشيرة إلى أن هذه المجالس تبيّن اليوم مدى أهميتها، حيث تشكّل التقارير والآراء التي تصدر عنها موجّها لعمل الحكومات في مختلف المجالات. واعتبرت البيض أن الحسن الثاني كان له بُعد نظر أهّله ليضع مخططات استراتيجية بعيدة الأمد، كما هو الحال بالنسبة إلى السياسة المائية التي نهجها، عبر بناء السدود، قائلة إن هذه السياسة بُنيت على حسابات علمية دقيقة، جعلت الملك الراحل يقتنع بأن الحل الوحيد أمام المغرب لضمان حاجياته من المياه، في ظل زيادة عدد سكانه، وتوقع تغيرات مناخية، وباعتباره بلدا فلاحيا، هو تشييد السدود. وفي هذا الإطار، قال إدريس اسوكم، أستاذ التعليم العالي بالكلية متعددة التخصصات بأسفي، إن سياسة السدود التي نهجها الملك الحسن الثاني لم يكن الهدف منها فقط توفير الأمن المائي للمملكة، بل أيضا بناء الإنسان، عبر إكسابه مهارات البناء والتشييد والابتكار في جميع المجالات من أجل بناء مغرب جديد. وعلى الصعيد الاجتماعي أبرز اسوكم أن الحسن الثاني كان يبحث عن توازن في المجتمع عبر التعايش والتشاور بين جميع الهيئات السياسية، وأبرز مثال على ذلك توليته حزبَ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قيادة حكومة التناوب سنة 1998. وأضاف "كان الملك الراحل يحرص على أن يكون العمل السياسي قائما على التوافق والتراضي، وهذا يبزر شخصية الملك الذي كان فعلا حكما". محمد فؤاد العشوبي، أستاذ مؤهل بكلية الحقوق مكناس، قال إن الحسن الثاني كان واعيا بعلاقة ما هو اقتصادي وما هو اجتماعي في خلق التنمية، وهذا ما جعله، يضيف المتحدث، بعد توليه الحكم مطلع ستينيات القرن الماضي، ينهج سياسة "المغربة" من أجل خلق طبقة وسطى لمنح الاستقرار للمجتمع، وتشجيع الإنتاج الفلاحي والصناعي، وخلق الثروة بسواعد وأدمغة مغربية. واستطرد المتحدث قائلا إن الحسن الثاني أولى أهمية خاصة للقطاع الفلاحي، والقطاع الصناعي أيضا، عبر التحفيز على خلق المقاولات، مع حرصه على أن تكون هناك مقاولات تقوم على التنافسية وتعود بالنفع على الشعب وليس هدفها هو تحقيق منافع ذاتية للأشخاص. وتتواصل أعمال جامعة مولاي علي الشريف، اليوم السبت، بندوة في قاعة القصر البلدي بالرشيدية، ستتمحور مداخلات المشاركين فيها حول السياسة المائية والتعليم والثقافة في عهد الحسن الثاني.