بإقليم تنغير، هناك كثير من النساء اللواتي رفعن راية الكفاح، وحملن مشعل الدفاع عن المرأة وحماية حقوقها في مجتمع محافظ تحكمه الأعراف والتقاليد، وواصلن خطواتهن الثابتة نحو تغيير واقع المرأة وتحقيق التميز الذي تستحقه خصوصا القروية منها. تعتبر فاطمة شجيري، التي تنحدر من منطقة أمان نوقيدار بجماعة واكليم بإقليم تنغير، نموذجا للمرأة القروية الأمازيغية التي تعمل جاهدة من أجل إبراز مؤهلاتها وكفاءتها بهدف النهوض بأوضاع المرأة القروية المادية والاجتماعية. فاطمة شجيري، التي تشتغل في مجال الخياطة والعمل التعاوني والجمعوي، من بين النساء القليلات الأوائل اللاتي اقتحمن الميدان الجمعوي في وقت كان فيه الميدان حكرا على الرجال، وكان طموحها الذي تسعى إليه جاهدة هو أن تعتمد المرأة على نفسها وأن لا تقبل الإهانة و"الاتكال". بملامح جادة وعزيمة قوية مدججة بالإرادة والتحدي، وعيون تتطلع نحو مستقبل مشرق، تستقبلك فاطمة شجيري، البالغة من العمر 40 سنة، وهي متزوجة وأم لطفلين، بمحل مخصص للخياطة المتنوعة الذي تديره بنفسها بمساعدة نساء المنطقة، حيث فتحت قلبها لجريدة هسبريس لتحكي لنا تجربتها الغنية في مجالات عدة كانت بالأمس القريب حكرا على الرجال. تقول فاطمة شجيري: "كان هدفي من تأسيس أول جمعية تهتم بالمرأة والطفل بأمان نوقيدار هو توعية المرأة القروية بحقوقها وواجباتها، والدفاع عنها من أجل الاعتماد على نفسها"، مشيرة إلى أن الجمعية حصلت سنة 2018 على اسم "الجمعية النموذجية" بإقليم تنغير من ناحية تنمية المرأة القروية. وأضافت شجيري أن "المرأة بالمنطقة، وعلى الرغم من الأدوار الطلائعية التي تقوم بها، ما زالت تعاني مرارة النظرة الدونية من لدن المجتمع"، موضحة أن ذلك راجع إلى النظرة النمطية التي تشكلت حول المرأة عبر العصور، معتبرة في هذا الإطار أن المرأة في منطقتها بدأت تشق طريقها نحو تحقيق الاستقلالية، وأن النظرة القديمة عن النساء بدأت في الزوال، كما أصبحت النساء أكثر اندماجا في محيطهن السوسيو اقتصادي والثقافي والسياسي. وتعتقد فاطمة شجيري الملقبة ب"أستاذة الجمعويات"، التي تشتغل في مجال محاربة الأمية، أن الطريق ما زال طويلا أمام المرأة لتحقيق ما تصبو إليه من تطلعات؛ ذلك أن درب الحياة ليس مفروشا بالورود. وقالت فاطمة إن النساء القرويات هن من يستحقن الاحتفال بهن على طول السنة، وليس فقط يوم الثامن مارس، لافتة إلى أن "النساء القرويات هن رجال بمعنى الكلمة"، مشيرة إلى أن المرأة القروية لم تنل بعد حقوقها، مستحضرة موضوع الأراضي السلالية التي يتم إقصاء فيها النساء، مشيرة إلى أنها عازمة مواصلة نضالها من أجل إبراز مؤهلات المرأة القروية. وتعد الجمعوية ذاتها من النساء اللواتي يرفضن الاحتفال بعيد المرأة، مشيرة إلى أن يوم الثامن مارس هو يوم لتوزيع "الأكاذيب والنفاق" على النساء بشكل عام، داعية إلى بذل مزيد من الجهود لتخطي العقبات والإكراهات التي تحول دون بلوغ الأهداف في هذا الإطار، وكذا الترافع حول قضايا المرأة بشكل عام، وقضاياها بالأوساط التي ما زالت تشهد انحطاطا في أوضاعها على كافة المستويات، بشكل خاص. وبخصوص التوفيق بين الحياة المهنية والشخصية لهذه الجمعوية، قالت إن "كوني امرأة جمعوية لا يمنع من أنني أزاول حياتي الشخصية بشكل عادي، كزوجة وأم.. إذ أسعى إلى التوفيق بين العمل المهني وحياتي الخاصة"، وتابعت: "حين ولجت العمل الجمعوي كنت مستعدة للاشتغال ليل نهار، فعشق المجال وحب التحدي يذوب هذه الإكراهات.. والحمد لله هناك مساعدة الزوج والأهل، الذين يتفهمون نوعية عملي". وجوابا عن سؤالنا حول استفادتها من مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، قالت المتحدثة: "على الرغم من كل ما حققناه في التعاونية والجمعية من أهداف لفائدة النساء، لم يسبق لنا أن تقدمنا بطلب الاستفادة من هذا الدعم"، مشيرة إلى "أن فلسلة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية غير مقتنعة بها"، إذ "إن غالبية الجمعيات التي تستفيد من الدعم تلزمها المواكبة والتكوينات لتدبيره بشكل معلقن"، وفق تعبيرها. الكثير من النساء بمدينة تنغير يعتبرن فاطمة شجيري أيقونة من أيقونات التغيير، حملت على عاتقها المساهمة في النهوض بأوضاع المرأة القروية عامة، والمرأة بمنطقة أمان نوقيدار، حتى استحقت لقب "المحامية" والمناضلة والجريئة التي تغيب النوم عن جفون المسؤولين وتقض مضاجعهم بمرافعاتها عن القضايا الاجتماعية والحقوقية لهذه الفئة.