حراك شعوب شمال إفريقيا سنة 2011 في تونس وليبيا والمغرب كان لا يمكن أن يذهب بعيدا في سياسة تحقيق الحرية والديمقراطية والوحدة الشعبية، من دون أن يشمل حراك الجزائر، فهل ستكتمل الآن طموحات شباب الربيع الديمقراطي لسنة 2011 في شمال إفريقيا بانضمام شباب الجزائر إليها سنة 2019؟ الجواب على هذا السؤال يتطلب قبل كل شيء أن نعتبر أنه حراك Dynamisme، وليس ثورة، ولا انقلابا عسكريا، ولا جبهة تحرير، ولا إصلاحا دينيا؛ فهو قطيعة مع المقاومة المسلحة، وحكم قدماء المسلحين. وبعد هذا الاعتبار، يمكن البحث له عن قواعد سياسية أولية، منها: أولا: ضرورة مواكبة شباب ومفكري المغرب وتونس وليبيا لحراك الجزائر بمنهجية منفتحة، ونظرة سياسية جديدة، والحذر من التضليل السياسي الذي تمارسه القوى التي استطاعت أن تؤخر الجزائر عن إنجاز مهمة إسقاط الديكتاتوريات كلها في شمال إفريقيا كلها سنة 2011، بنضال سلمي. فإذا نجح الربيع الديمقراطي الآن في الجزائر، ستنكشف اللعب السياسية لحكام شمال إفريقيا الذين سيطروا على الشعوب، وفرنسا، ولن يجد المخزن المغربي مثلا وأحزابه عدوا وهميا يعبئ ضده الشعب المغربي منذ سنة 1962، ويبرر به صفقات شراء الأسلحة والتجنيد المدني والعسكري للشباب، وتضخيم ميزانية العسكرة منذ سنة 1975 تحت ذريعة أوهام الحروب، والتهديدات والخوف من الصحراويين، والجزائر. وسيتخلص الجزائريون من سياسة التسليح وبناء الخنادق ووضع الأسلاك الشائكة وزرع العداوة الوهمية مع المغرب وإغلاق حدود الماضي المسلح... ولن تجد فرنسا من تستعمله لإشعال النزاعات في شمال إفريقيا لتبقى بيدها سلطة القرار... وستتخلص ليبيا من سيطرة العصابات المسلحة على الشعب، وسيتمكن التونسيون من التخلص من حكم فلول الماضي الديكتاتوري... ثانيا: يجب التذكير بدرس تاريخي، وهو أن التغييرات السياسية المهمة بالمغرب تأتي من الجزائر؛ فمنه دخلت الجيوش الفرنسية بعد توقيع المخزن العلوي لاتفاقية الاستعمار مع فرنسا في 30 مارس 1912، ومنه دخلت فلول ادريس الأول إلى زرهون وتأسيس إمارة الأدارسة التي أسست حكم أشراف عرب قريش في المغرب سنة 788م، ومنه دخل عبد المؤمن الكومي وابن تومرت عند تأسيس دولة الموحدين سنة 1121م... ثالثا: إن اعتبار الجزائر دولة مستقلة في تاريخ شمال إفريقيا بهذا الاسم، لم يحدث سوى سنة 1962، وقبل ذلك كانت في التاريخ القديم والوسيط والحديث تعرف بأسماء أخرى مثل نوميديا، أو ولاية للرومان، أو للمرابطين، ثم الموحدين ثم المرينيين والسعديين والأتراك وأخيرا فرنسا، وهي بمنطق التاريخ جزء من بلادنا التي تمتد إلى النيجرجنوبا، ولذلك لا توجد وطنية لدى الذين يعتبرون ما يجري في الجزائر خارجيا، فهو شأن داخلي تاريخيا لكل شمال إفريقيا، والساحل... رابعا: إن الجزائر هي التي قتل فيها ودفن بها عقبة بن نافع سنة 683م، وهو أول قادة عسكر غزاة عرب قريش لبلاد سوس جنوب المغرب، ومنها استعمل مصطلح الربيع الأمازيغي منذ سنة 1980Tafsut imazighen قبل أن يظهر سنة 2011 مصطلح "الربيع العربي"، وفيها تم لأول مرة في شمال إفريقيا إقرار الدولة فاتح السنة الأمازيغية عيدا وطنيا. خامسا: إنه حراك سياسي، وليس حراكا اجتماعيا، لأنه اتجه صراحة إلى رئاسة الدولة، وإنشاء الجمهورية الثانية التي تلائم الظروف الحالية، وبذلك صار حراكا سلميا، أحرج القوات العسكرية التي تحكم باسم قدماء المسلحين، والثوار، وجيش التحرير، وتتبجح بحفظ الأمن والاستقرار، ولا دور لها تتبجح به أمام حراك سلمي وجماهير تحتفظ بأمنها واستقرارها وتمارس السياسة بواسطة الخروج إلى الشوارع. ولذلك لم تستطع قوات الجنيرالات إطلاق الرصاص على نشطاء الحراك، ولا تعيين رئيس بديل يكون دمية تحت تصرفها. سادسا: هناك مخاطر ربط الحراك بالخروج أسبوعيا بيوم الجمعة، وهو زمنيا يستحضر تجربة ما يسميه عرب الشرق الأوسط ومصر "جمعة الحسم"، وربط الجمعة بالقداسة الدينية وجعلها موعدا للحراك السياسي، يخول الفرصة لمن يستغلون الدين وتسيسه، وفي المستقبل يخدم الدعاية السياسية للإسلامويين. يضاف إلى ذلك خطر شرقنة الحراك وتحويله إلى نماذج غير جزائرية، ولا من شمال إفريقيا، وتلطيخ الحراك بلافتات خلط الحراك بشعارات العراقيين والفلسطينيين، والسوريين، واللبنانيين...، وهو خطر نقل أسوأ ما في الشرق الأوسط إلينا كما وقع في ليبيا ومصر وتونس. سابعا: يجب الحذر من دعوات بعض العناصر إلى تعبئة الحراك على الشوفينية الوطنية التي تدعو إلى كون الحراك يهم الجزائريين وحدهم، مع أن سكان الجزائر يرتبطون إثنيا وسياسيا ببقية سكان شمال إفريقيا، وما يجري فيها هو شأن داخلي، ومصيري بالنسبة لكل سكان المنطقة، ونحن جميعا في عالم ليس فيه شأن داخلي بمعناه الضيق، فكل السياسات عالمية مرتبطة بمصير الناس أجمعين.