صدرت دراسة تحليلية حول المقاتلين القادمين من المملكة العربية السعودية بعنوان "المقاتلون الأجانب في وثائق "داعش" المسرّبة"، أعدّها الأكاديمي عبد الله بن خالد بن سعود الكبير، بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية. ويعتمد البحث على "كمّ هائل من الوثائق السريّة المدوّنة التي تحتوي على ثروة من المعلومات عن المجنَّدين الجدد الذين سعوا إلى الانضمام إلى ما يسمّى الدولة الإسلامية، أي تنظيم داعش، في سوريا"، موضّحا أنّ أغلب من وردت أسماؤهم في سجلات هذه المنظّمة الإرهابية انضموا إليها عامي 2013 و2014. ومن بين الخلاصات المهمّة للدراسة أن أغلب من في المجموعة، التي درسها خالد بن سعود من المقاتلين الإرهابيين الأجانب من السعوديين في تنظيم "داعش"، هم من الشباب الذين يمثّلون جيلا جديدا من الجهاديين السعوديين، والجزء الأكبر منهم ليسوا مراهقين، ولا معزولين ولا منبوذين اجتماعيا. كما لم يكن تركيز هذه المجموعة من منطقة محدّدة فقيرة أو ساخطة في المملكة العربية السعودية، بل جاء أفرادُها من جميع مناطقها الإدارية الثلاث عشرة، إلا منطقة القصيم الواقعة في وسط المملكة التي قدمت منها أعلى نسبة من المقاتلين، إلى جانب كون الغالبية العظمى من هؤلاء المجنَّدين لا يملكون، باعترافهم، علما شرعيّا معتبَرا. كما تخلُص هذه الدراسة التحليلية إلى أن مجموعة المقاتلين الإرهابيين الأجانب، التي هي بصدد دراستها انطلاقا من وثائق "داعش" المهرَّبَة، لم تكن محدودة التعليم بمعناه العام، وهو ما يجعل من الصعوبة "الادّعاء بأنهم يعانون من ندرة الفرص أو محدودية إمكانية الترقّي"، مفسّرة "تطرّف الدواعش السعوديّين الإرهابيين" بشكل أوسع ب"تنامي الاضطرابات السياسية، وحالة عدم الاستقرار، وتصاعد موجة الطائفية في المنطقة"، وليس ب"مجرّد أيديولوجية، أو عوامل اجتماعية - اقتصادية بحتة"؛ فضلا عن "محاولة تنظيم داعش استغلال التصدّعات والشروخ الناتجة عن التعصّب الطائفي في المجتمعات، ونسج روايته وطرح رؤيتِهِ وإسقاطها على سياقات تاريخية واجتماعية معيّنة لكلّ بلد على حدة". تنظيم "داعش" لم يزل بعد رغم انهيار تنظيم "داعش" ميدانيا في سوريا والعراق، إلا أنّه من السابق لأوانه، بل من السذاجة، حَسَب الباحث، القطعُ بأنّ تهديد التنظيم قد زال؛ لأن أيديولوجيات التطرّف لازالت قادرة على الظّهور والازدهار ما دامت الظروف التي أدّت إلى بروزها في المقام الأوّل قائمة، مثل: السياسات الطائفية، والاضطرابات السياسية، وحالة عدم الاستقرار، إضافة إلى عدم حاجة الجماعات المتطرِّفة إلى أقطار معيَّنة تسيطِر عليها حتّى تستمرّ وتنتعش، فقد تعود بسهولة إلى التمرّد وتنفيذ خطط حرب العصابات في أي مكان لإحداث الأذى وإلحاق الضّرر، كما سبق أن فعل تنظيم "داعش". ويوَضّح البحث أن تنظيم "داعش" من أجل بلوغ أغلى حدّ من الإغراء والجاذبيّة يوجِّه أو يفعِّل خطابه ومنهجَه بناء على سياقات تاريخية واجتماعية محدّدة للبلدان المستهدفة. وينطبق هذا بشكل خاص، بالنسبة للباحث، على حالة المملكة العربية السعودية، وهو ما تحاول الدراسة معه تحليل الوثائق الداخليّة ل"داعش" على مستوى محليّ معيّن، للإسهام في فهم أفضل لنماذج المجنَّدين الذين يستقطبهم التنظيم في كل بلد أو منطقة بعينها، والحصول على أكبر قدر ممكن من المعرفة في هذا المجال، قصدَ المساعدة في ابتكار حلول حقيقية لتعطيل عملية التجنيد لدى التّنظيم والحدّ من إغراءاته. وبعدما عرج الباحث على قواعد البيانات المتاحة حول المقاتلين أو الجهاديين السعوديين السابقين، ركّز بالخصوص على كتاب توماس هيغهامر عن "الجهاد في المملكة العربية السعودية"، وتقرير لمركز مكافحة الإرهاب في ويست بوينت، بيّن أن حصيلة الوثائق الخاصّة بمقاتِلي "داعش" من السعوديّين أكثر ثراء من حيث المعلومات عن السِّيَر والمعلومات الاجتماعية - الاقتصادية مقارنةً بغيرها من قواعد البيانات التي سبقَ دراستها، وتُظهِر أن "هذه المجموعة الجديدة من المقاتِلين أكثر قدرة، ماليا وعلميا، من المقاتلين السعوديين السابقين، ولكنّ نسبة مشاركتهم "الجهادية" الأكبر قد تكون بسبب ارتباطهم بشكل أقوى - خاصة في بعض المناطق - بالفرص التي وفّرها لهم كمّ جديد من الأحداث والظّروف". خلاصات مهمّة من بين النتائج الرئيسية التي خَلُصَ إليها الباحث عبد الله بن خالد بن سعود، بعد تحليله البيانات التي استنَدَ إليها، أن من هم قيدَ الدراسة من الشباب غالبا، ومتنوّعون من حيث منطقة المنشأ، ويمثّلون كافة مناطق المملكة العربية السعودية، وليسوا في الغالب فقراء ولا محدودي التعليم، واسترسل مؤكّدا أنّ المجموعة المدروسة "جاءت جيّدة التعليم نسبيا، ليس مقارنة بالجهاديين الآخرين فحسب، بل أيضا في سياق إجمالي السكان في بلدهم"، وهذا "ما ينقض النظريّة القائلة إن نقص التعليم أو غياب الفرص الاجتماعية والاقتصادية هما المحرّكان الرئيسيان وراء التطرّف"، بتعبير الباحث الذي استدرك مُنَسِّبا استنتاجه بالقول: "على الأقل ليس هذا هو الحال عندما يتعلّق الأمر بهذه المجموعة المحدّدة من إرهابيي داعش السعوديين". ويرى الباحث أن العوامل الاجتماعية والاقتصادية تحمل قيمة تفسيرية محدودة عندما يتعلّق الأمر بتطرّف "هذه المجموعة السعودية الإرهابية"، حَسَبَ ما تشير إليه البيانات، إضافة إلى أن دور الأيديولوجية الدينية في عمليّة التطرّف ثانويّ ولاحق على دور البيئات السياسية، والأوساط الاجتماعية، والثقافات الفرعية؛ فيما يتصوّر أن "الاضطراب السياسي وعدم الاستقرار في المنطقة، فضلا عن تصاعد موجة الطائفية في أعقاب الثورة السلمية التي تحوّلت إلى حرب أهليّة شرسة في سوريا، كلّها تحمل قيمة توضيحية أعلى بكثير". ورغم ذِكر الباحث أن البيانات التي اعتمد عليها توضّح أن المجموعة السعودية ليست كلّها محدودة التعليم، ما قد يعني أن العديد منهم لم يعانوا من الحرمان من الفرص الاجتماعية - الاقتصادية، فإنه أشار إلى أنه لا بدّ من وضع كونِ التعليم قد لا يتناسب بالضرورة مع فرص العمل بالحسبان، لأن هذا قد يولّد إحساسا بالحرمان النسبي؛ فضلا عن ترك غالبية المجنَّدين الجدد تعليمَهم من أجل شقّ طريقهم إلى سوريا، وهو ما يُستنتَج منه إيمانهم الشديد بالقضيّة وإحباطهم بما فيه الكفاية إلى حدّ المخاطرة بمستقبلهم والتخلّي عن الدراسة في الجامعة للانضمام إلى القتال في أرض أجنبية مزّقها الصراع. بيئة للتطرّف الحجم الهائل من الجهاديين المبتدئين المنضمّين إلى "داعش" في الآونة الأخيرة أمر مثير للاهتمام، حسب الباحث، يُظهِر أن التطرّف لدى الغالبية العظمى من هذه الجماعة جاء نتيجة للأحداث والظروف الراهنة والجديدة، عوض التجارب القديمة، ويدلّ على أن المتطرّفين والإرهابيّين رغم مرور عقدين من "الحرب على الإرهاب"، والمبادرات والبرامج المتنوّعة التي قامت بها معظم الدول لمكافحة الأيديولوجيات المتطرّفة والداعية إلى العنف لازالوا قادرين على إيصال رسائلهم، بل التعبير عنها بشكل أكثر فاعلية من خلال الوسائط الإلكترونية، والوصول إلى بعض الشباب المسلم من شتّى البلدان والخلفيّات. وسجّل الباحث أن "جاذبية الفكر المتطرّف" لم تقتصر على السعوديين فقط، إذ تدفّق آلاف المقاتلين الأجانب إلى سوريا من جميع أنحاء العالم للانضمام إلى "داعش"، وجماعات إرهابية أخرى، وهو ما يبيّن بوضوح، حَسَبَ تعبير البحث، كيف يمكن للحروب والعنف وعدم الاستقرار وانعدام الأمن في منطقة معيّنة خلق بيئة تنمو فيها الأفكار والمعتقدات المتطرّفة وتتفاقم، وتبدأ في جذب أتباع جدد. وتشير الدراسة إلى أن المتطرّفين الذين دُرست وثائق تسجيلهم في تنظيم "داعش" نادرا ما يكونون قبل الانضمام إلى الجماعات الإرهابية أشخاصا متديّنين جدا، ناهيك عن المتفقّهين في الدين منهم، ما يشير إلى أن تحوُّلَهم نحو التديّن جاء في مرحلة لاحقة على التطرّف؛ وتسجّل في هذا السياق أن معظم المتطرّفين يصلون إلى معتقد متزمّت راديكالي معيّن ثم يبدؤون في وقت لاحق في البحث عن أدلة من الدين تدعم معتقدهم، مؤكّدة كون "عمليةٍ معقّدةٍ" مثل التطرّف تحتاج مقاربة واسعة تتجاوز مجرّد العوامل الاجتماعية والاقتصادية أو الأيديولوجية الدينية الخالصة، والانتباه إلى أن "ما ينطبق أو يؤثّر على فرد ما، أو منطقة ما، أو بلد ما، قد لا ينطبق أو لا يؤثّر كذلك على غيرهم، وهذا سبب أهمية الدراسات القُطريّة الخاصّة حول مسبّبات التطرّف ومظاهر الإرهاب إذا ما أردنا فهم الظاهرة بشكل صحيح والتصدّي لها بفاعليّة".