تستحق الجمعة الثامنة في حراك الجزائر اهتمام جميع من يهمه إصلاح الأوضاع في منطقة شمال إفريقيا، ولها مميزات عن سابقاتها، نذكر منها: أولا تجاوز الحراك أحادية مكونات الشعب (عروبة وإسلام..) وحمل الراية الأمازيغية (راية الوحدة)، وحمل راية الجمهورية الأولى، وتخلى الحراك عن رايات شعوب الشرق الأوسط كلها ورايات الجهاديين الإسلاميين، ورفع شعارات "لا عراق، لا سوريا، لا يمن"، واستعملت الأمازيغية في التلفزات بمختلف تعابيرهم من القبائل، والشاوية، وتاماشيق (تعبير الطوارق). وتعتبر الراية الأمازيغية في الحراك رسالة سياسية إلى شعوب المنطقة، لتراجع سياستها في مجال معرفة ركائز الوحدة بين الشعوب، وتكريم الذين بادروا بوضع هذه الراية سنة 1997. وقد لوحظ خروج بعض الملتحين وعائلاتهم، أقحموا الشعارات الدينية في مظاهرة الحراك، مثل "بِسْم الله، الجزائر دولة إسلامية"؛ لكنهم فئة قليلة بالنسبة إلى عدد من شارك في الحراك، وذكرت قناة النهار الجزائرية أنهم من الجبهة الإسلامية للإنقاذ FIS، كما أعلنت الشرطة عن اكتشاف عناصر داخل الحراك كانت تخطط لأفعال إرهابية. وهذه الأخبار تحتمل الحقيقة، كما تحتمل تقليد سياسة استخدام البلطجية في مصر سنة 2011، وكذلك في كثير من المناسبات في حراك المغرب، وخاصة في حراك الريف سنة 2016، أو مستوردة من فرنسا حيث استعمل مصطلحLes casseurs لمحاربة مظاهرات أصحاب السترات الصفراء Les Gilets jaunes سنة 2019.. ثانيا أفشل الحراك تهديدات السلطة باستعمال القوة، لتفريق المتظاهرين، بسبب تزايد عدد المشاركين في الحراك، وتعميم الحراك على جميع مناطق الجزائر. ولا يملك الحاكمون القدرة على تغطية مناطق الحراك بالشرطة والعسكر، على الرغم من ترديد الحراك لشعارات رحيل الباءات الأربعة بن صالح، وبدوي، وبوشارب، وبلعيز، وإعلان الشرطة اعتقال 108 من الأشخاص، ووقوع ما سمته بأعمال شغب نتج عنها جرح 27 شرطيا، وأن الشرطة تعرضت لاعتداءات بالحجارة والأسلحة الحادة، وكأنها تشبه تهم المخزن المغربي لقادة حراك الريف وجرادة... ونقلت وسائل إعلام الجزائر أن السلطات حاولت منع السيارات القادمة من مختلف الجهات لتشارك في الحراك، وتحداها المتظاهرون وشاركوا في المظاهرة، ولكن كيف ستكون معاملة الناس. في الجمعة التاسعة؟ ثالثا حافظ الحراك على تحالف الشعب مع العسكر، لتجنب المواجهة معهم، وتجنب تأييد قواعد العسكر لمن يسميهم الحراك بالعصابة؛ وذلك يرتكز على كون الشباب الجزائري تعرض لتجنيد إجباري صارم منذ أكثر من خمسة عشر عاما، وشرع المغرب متأخرا عن الجزائر في هذا التجنيد وبدأه في سنة 2016. رابعا طرح الحراك بحدة مطلب فتح ملفات الفساد الإداري والسياسي، وخاصة ملفات سوناتراك والأتوروت وميزانية تمويل حراسة الحدود الجزائرية بما في ذلك مع المغرب و تهريب الأموال إلى الخارج... خامسا تكريس مبدأ "سلمية" ليسجل قطيعة مع أسلوب المجاهدين والإرهابيين والقتال المسلح، وهي أساليب كانت تتشدق بها إيديولوجية عناصر الجمهورية الأولى، وتتشدق بها الحركات الوطنية في كل أقطار شمال إفريقيا ممن يسمون مقاومين ضد فرنسا وإسبانيا وإيطاليا ويرفضها شباب هذه الأقطار الذي يريد أن يذهب إليها ولو بالانتحار في البحار، والهجرة السرية... سادسا الحراك لا يزال محتشما فيما يخص نزع فتيل العداوة مع الجيران التي هي جزء مهم من سياسة فساد الجمهورية الأولى، وعلى الشعب المغربي أن يسهم في تسهيل إدماج الأخوة والسلم في صفوف الحراك، ليكون مناسبة لوقف العداوة المفتعلة التي تمارسها سلطات البلدين؛ وهي جزء من الفساد السياسي الذي يصرف أموال الشعب في إنعاش العداوة وشراء الأسلحة، ومنح الامتيازات باسم الدفاع عن الوحدة الترابية... وقد حان الوقت لإعلان شباب المغرب أنه لا عداوة مع شعب الجزائر، الذي يطالب الآن برحيل جهاز الحكم الذي بنى سياسة العداوة التي استمرت منذ سنة 1962. سابعا صدورُ بلاغ نادي القضاة الجزائريين بمقاطعة مراقبة الانتخابات الرئاسية، وقوانين القوائم الانتخابية تضامنا مع الحراك. وهذا التحرك الصادر عن القضاة يعدّ خطوة مهمة جدا في مجال استقلال القضاء، وفضح ملفات تعليمات سياسية صدرت من الحكام إلى القضاة؛ وهي ظاهرة لم يعرفها أي واحد من أقطار شمال إفريقيا التي تعاني من عدم استقلال القضاء.