في الوقت الّذي تسعى عدد من الأسر المغربيّة إلى تبنّي قيم وعادات مستحدثة في طقوس الزّواج، فإنّ أغلبيّة الأسر التّطوانيّة العريقة تقاوم تلك القيم المرتبطة بالأنماط الاستهلاكيّة الدّخيلة على مجتمعها المنغلق نوعا ما، محافظة بذلك على جزء كبير من عاداتها وتقاليدها الأصيلة المتوارثة في هذه المناسبة. والعارف بخبايا أمور العرس التّطوانيّ يعلم أنّ العادة جرت بالاستعداد له شهورا قبل حلول موعده الّذي كان يمتدّ سبعة أيّام متوالية، قيل فيها المثل الشّعبيّ "سبع أيّام ف سبع ليالي، حتّى دكدك الحيّ على الميّت"، قبل أن تقلّصها تطوّرات الحياة الحديثة واختلاف الظّروف المادّيّة إلى ثلاثة أيّام تختزل كلّ المراسيم التّقليديّة الرّاسخة، وتستهلّ بحفل "النّبيتة" وما يرتبط بها من ترتيبات سابقة، فحفل "الظّهور" وطقوسه، ثمّ "العرس" أو حفل الزّفاف وما يليه من عادات وتقاليد لا يمكن إغفالها. حفلة "الملاك" إعلان عن بدء "حالة الطّوارئ" تعتبر حفلة "الملاك"، كما يصطلح عليها أهل تطوان، أو الخطوبة، إيذانا ببدء حالة الطوارئ، التي تعبّئ لها العائلة كلّ الإمكانيّات والجهود للشّروع في إعداد ترتيبات الزّفاف، بحكم أنّه لا يتأخّر في عادات أهل تطوان بعد "الملاك"، الّذي يشير إلى حدوث تحوّل في حياة البنت، وقرب انتهاء تبعيّتها لبيتها ودخولها في طاعة الزّوج. وأهمّ ما تستهلّ به عائلة البنت "المملوكة" استعداداتها للعرس تجهيز "شوار" العروس، وهو طقم ملابس متكامل، تعدّه عائلتها لتحمله معها إلى بيت زوجها، ويضمّ ملابس تخاط يدويّا كالقفاطين والجلابيب والمناديل المتعلّقة باستعمالات أيّام العرس، إلى جانب أخرى تشترى للاستعمال اليوميّ كالأحذيّة والحجاب والمجوهرات. ومن الأمور التّي تعدّها عائلة العروس ملابس تخاط للعريس لتقديمها كهديّة له صباح حفل "العرس". غير أنّ القيم الاستهلاكيّة الدّخيلة جعلت جلّ العائلات تفضّل شراء معظم هذه الأمور. تقول انتصار العشيري، رئيسة الجمعيّة المهنيّة للمصورّين بتطوان والكاتبة العامّة للفدراليّة الوطنيّة لمهني قطاع التّصوير بالمغرب، إنّ "العرس التّطوانيّ لم يكن مرتبطا قطّ بأيّام الاحتفال، بل كان يستهلّ بأيّام العجين، حيث تقوم نساء العائلة والجارات بإعداد حلويّات للنّساء، اللّواتي سيشاركن في إعداد حلويّات العرس، توزّع عليهنّ مع كؤوس الشّاي، ثمّ تلي ذلك أيّام العجين الخاصّ بحلويّات العرس، والّتي تتعبّأ لها كلّ العائلة والجارات والأحباب". يوم الحمّام ورفقة العازبات تحت إيقاع الزّغاريد و"الصّلاة والسّلام على رسول الله" يشقّ موكب العروس طريقه نحو حمّام الحيّ البلديّ، تحيطها فتيات العائلة والجيران والصّديقات من العازبات، وبعد الاغتسال يعدن أدراجهنّ إلى بيت العروس، حيث يجدن الفطور جاهزا، فيتابعن الغناء والزّغاريد. وفي هذا الجانب، توضّح رئيسة الجمعيّة المهنيّة للمصوّرين أنّ "البيوت التّطوانيّة العريقة كانت تتوفّر على حمّام داخليّ تحمى ناره بالأعواد، حيث كان يرشّ بالحنّة والملح لاستقبال العروس"، مضيفة أنّ "العروس كانت تعدّ للحمّام بتحضير مشطة التّصفيّة، وسطل وكوب من النّحاس، والغاسول المخلوط بماء الورد، وسبنيّة (حجاب) حياتي". وحسب المتحدّثة ذاتها، فإنّ تقاليد أخرى كانت مرتبطة بيوم الحمّام، أوّلها نقش الحنّاء، "الّتي لم تكن إلّا خطوطا تنقش بمعود الكحول على أصابع اليد وعلى رأسها نقط، وتسمّى حنّة الشّمع"، إضافة إلى "تعليق الشّوار"، بأن تعدّ العروس فضاء في البيت لعرض أطقم الملابس، الّتي جهّزتها للعرس بكل أنواعها، وكذلك المجوهرات الّتي اقتنتها أو أهديت إليها بالمناسبة، إلى جانب الملابس الّتي أعدّتها كهديّة للعريس. حفل "النّبيتة" حصر على الفتيات بعد التّرتيبات السّابقة يحلّ يوم "النّبيتة"، وهو يوم احتفال تجتمع فيه الفتيات العازبات مع العروس، سواء كنّ من العائلة أو الجيران وحتّى الصّديقات، دون غيرهنّ، وتشغل فيه فرقة الحضرة التّطوانيّة الحيّز الأكبر من الحفل، فيما يقتصر دور "الطّبالين" على لحظات يقدمون فيها إلى بيت العرس لتسجيل الحضور، ثم المغادرة حتّى يوم العرس أو ما يسمّى عند التّطوانيّين ب"البوجة" . وبخصوص حلوّيات "النّبيتة"، تقول العشيري إنّ ما جرت عليه العادة بالمدينة "أن توزّع على الحاضرات قنانيط الأرزّ، والملوزة، وبعض حلويّات الزّبدة، إضافة إلى أكياس من الفواكه اليابسة المسمّاة محليّا بالقشقشة". طقوس يوم الظّهور كان ولا يزال استقدام الأطفال إلى حفل الظّهور عيب لدى التّطوانيّين، باستثناء بعض البنات ممّن يتّصفن بالرّزانة، حيث يتمّ تزيينهنّ ليتكلّفن بحمل الشّموع ومرافقة العروس عندما تنزل لتطلّ على الحاضرات، فيما تتزيّن العروس بلباس "الأونتري" وتاج "الرّكينة"، وتصفّف لها المزيّنة شعرها، تاركة "السّوالف" على اليمين وعلى اليسار. وعلى إيقاع موسيقى الفرقة النّسويّة تنزل العروس تتهادى نحو مجلسها بين الحاضرات، ولا تكاد تنظر إلى العيون الّتي تحملق فيها مبهورة، محاطة بصبايا يرافقنها نحو مكانها بين الحضور الّذي يستحيل أن يوجد بينه رجل. العرس يوم تختلط فيه الفرحة بالدّموع جبل التّطوانيّون على تسميته ب"البوجا"، ويستهلّ هذا اليوم بتوجّه "النّكافات" ومعهن "العرّاطة" إلى بيت العريس حاملات تجهيز فراش العروس والملابس المهداة إلى العريس على ملفوفة في فوطة الشّرق، الّتي يتمّ جلبها من السّعوديّة، حيث تكون أسرة العريس في انتظارهنّ. ويستقدم لهذا اليوم جوق موسيقيّ يحيي اللّيلة بالطّرب الأندلسيّ والموشّحات، وتوزّع كؤوس الشّاي والحلويّات المتنوّعة، خاصّة المملّحات، على الحضور، حتّى يحين وقت الذّهاب لجلب العروس، حيث يغادر أفراد عائلة العريس إلى بيتها بدونه، وعند وصولهم يقف الرّجال خارجا، فيما تدخل النّساء البيت، ويبدأ "الغيّاط" بالعزف طارقا الباب في الوقت نفسه، والنّساء يردّدن "اعطيونا ديانا بش نمشيو فحالنا" . تنزل العروس، وتتوجّه نحو "البوجا" أو الهودج، ويقف وليّ أمرها ممسكا ناصيتها بيده، وهو يقرأ آية الكرسيّ والمعوذتين، ثم تدخل "البوجا"، الذي يحمله الرّجال مردّدين "العاشقين للنّبيّ صلّوا عليه". وتنتهي المراسيم بوضع كسرة خبز تحت إبط العروس، ومفتاح بين يديها لاستقدام الفأل الحسن، ثمّ ترافقها "النكافات" إلى عشّ الزّوجيّة لمساعدتها على نزع المجوهرات، فيما تغادر عائلة العروس راجعة إلى بيتها.