أخي، جاوز الظالمون المدى فحقَّ الجهادُ، وحقَّ الفِدا أنتركهُمْ يغصبونَ العُروبةَ مجد الأبوَّةِ والسؤددا؟ وليسوا بِغَيْرِ صليلِ السيوف يُجيبونَ صوتًا لنا أو صدىِ فجرِّدْ حسامَكَ من غمدِهِ فليس لهُ، بعدُ، أن يُغمدا أخي، أيها العربيُّ الأبيُّ أرى اليوم موعدنا لا الغدا من يتذكر هذه المقاطع الشعرية الأولى لشاعر الرومانسية ومدرسة أبولو بدايات القرن التاسع عشر علي محمود طه؟ لن يتأخر جوابكم حتما وأنتم تمسحون خريطة نوسطالجيا الكتاب المدرسي الابتدائي، الذي كان يفرش أرضية نصوصه المختارة من أزاهير الأدب، على مختلف تياراته ومدارسه وتلاوين فنونه وعباراته. كانت عيون الكتب في الأدب والنقد والشعر والقصة والبلاغة مكمن انبثاق الحياة المدرسية، في وقت شحت آفاق التواصل وأنهكت جيوب الآباء لأسباب اجتماعية وثقافية ليس مقامها الآن. لكن همة الرجال لا تهون، كما يقال. كان مخزون الإرادة والكرامة والعفة والقناعة أكبر كما يساق الآن على مشجب الحداثة والتبدل العصري وانفلاق السيبرانية وتغول العولمة. قرأنا من بطون وأمهات الكتب واسترقنا السمع إلى أجمل البرامج والأغاني من الإذاعة الوطنية كما إذاعة BBC في قسمها العربي. المناسبة شرط وقصيدة فلسطين التي افتتحنا بها مقالنا كانت بالفعل جذوة لاستنهاض الروح والوجدان، يوم استعرت نواهض العزة والكرامة والدم العربي ومقاومة الصهاينة المحتلين. أتذكرها وبين أحشائها درر التنوير تثرى ومباعث السؤدد وقيم الانتماء تشمخ، وأباريق المجد يتلو قدسيته على جباه التاريخ في عظمة وسموق لا مثيل له. لم يكن الافتتان السياسي الدولي ومخططاته الاستعمارية الغاشمة قد امتدت إلى مناهج تعليمنا ومخططاته، ولم نكن نحن بعد قد استوعبنا دروس انتشار وباء المتربصين من وحوش غابات الأنظمة الدولية التي أصبحت تفرض اتباع سياسات تجفيف مقرراتنا المدرسية والجامعية من كل ما يمت بتاريخها وحضارتنا وبمنظومة ثقافتها وتقاليدنا. عندما تقرأ وتمعن النظر في العشرات من نصوص مقرراتنا السابقة سيظهر لك الفرق لا محالة؛ أما إذا قارنتها بالنصوص الجديدة فستصاب بخيبة أمل كبيرة. انسحبت المروءة وأخلاق الرجال من نصوص مقرراتنا، وحل محلها العدم والاستلاب والوهن والخواء الروحي. تغلغلت نبتة السوء في أرضية صنع لها الوهم والانكشاف على العدو. صار وصف التاريخ عبارة عن مرحلة تنقضي وتأفل. وارتفع منسوب الكونية على حساب الهوية المحلية. حتى إن أغلب نصوصنا الراهنة تأخرت عن فهم مآلات رديفاتها مما صانت العرض وفاضت بحس الشموخ. قصيدة فلسطين التي كانت تصف العدو الصهيوني بما يستحق، والتي حفظناها عن ظهر قلب، وملأنا بها السماء ضجة وضجيجا، أضحت اليوم مخبوءة في ستر مستور، لم يعد لها نفس الوهج والثورة، باتت تهمة ووبالا..أصبحت كلماتها عورة وخبالا وعقابا. فمن ذا الذي تستهويه سرابيل الجهاد ونوابض الرجولة وحق الفداء ومجد الأبوة؟!. أما الذي يعلن في حق من اغتصب فلسطين بمواجهته بصليل السيوف والدم المرعد فسيلقى نفس ما اتهم به روجيه جارودي بمعاداة السامية وتهم الإرهاب!.. إننا نجترح هذه القسوة المعتمة من فكرة ضاعت بين قيم القراءة وفعال القحط المعرفي الذي أصاب مؤسساتنا في مقتل . لكن قبل أن تخبروا ضمائركم بما صار وما سيصير أعيد دعوتكم إلى قراءة ما تبقى من قصيدة فلسطين الشاعر المصري على محمود طه، التي تعكس فعلا جانبا مهما من الفقد الجسيم الذي شل قدرتنا نهائيا عن التفكير في كل يحدث الآن لإخواننا هناك، حيث العدو الصهيوني يعربد ويفعل ما يشاء في ظل صمت ومؤامرة من العرب قبل الغرب: أخي، أيها العربيُّ الأبيُّ أرى اليوم موعدنا لا الغدا أخي، أقبل الشرقُ في أمةٍ تردُّ الضلال وتُحيي الهُدى أخي، إنّ في القدسِ أختًا لنا أعدَّ لها الذابحون المُدى صبرنا على غدْرِهم قادرينا وكنا لَهُمْ قدرًا مُرصدًا طلعْنا عليهم طلوع المنونِ فطاروا هباءً، وصاروا سُدى أخي، قُمْ إليها نشقُّ الغمار َ دمًا قانيًا ولظى مرعدا أخي، ظمئتْ للقتال السيوفُ فأوردْ شَباها الدم المُصعدا أخي، إن جرى في ثراها دمي وشبَّ الضرام بها موقدا ففتِّشْ على مهجةٍ حُرَّة أبَتْ أن يَمُرَّ عليها العِدا وَخُذْ راية الحق من قبضةٍ جلاها الوَغَى، ونماها النَّدى وقبِّل شهيدًا على أرضها دعا باسمها الله واستشهدا فلسطينُ يفدي حِماكِ الشبابُ وجلّ الفدائي والمُفتدى فلسطين تحميكِ منا الصدورُ فإمًا الحياة وإما الرَّدى أكيد أن القصيدة لو كتب لصاحبها أن يعيش بيننا الآن لاتهم بالإرهاب وبملء عقول الناس بالتحريض على الفتنة والشهادة والفداء وهلم جرا.. * شاعر وباحث إعلامي من مراكش