كثيرا ما تعلق بالأذهان، وعرفت البشرية من الرواة عن حياة العرب الأولى أنهم ساكنة الصحراء، وكأن البحر هرب عن أرضهم وتركهم على الرمال وخيامهم بين أيديهم، بعيدين عن حياة البر والبحر، وأنهم أقرب إلى الفضاء بالصحراء عن الحياة من الأرض. مع العلم أنه في عهد التخريط الدولي للمعمورة، عرفت البشرية أن العرب يعيشون في براري فلاحية وأراضي زراعية، عرفوا البحر من الرمال الرطبة والمياه المتموجة، واتخذوا له من الركب، المراكب الشراعية، وقوارب الصيد البحرية، كما مارسوا منه التجارة القارية، بل وضعوا له حدودا وعرفوه بالاسم لهم والنسب إليهم كما يعرفون من البر، ويسمون منه البحر، ومن العرب من نسب البحر إلى تربته من البر وسماه البحر الأحمر، ومن العرب من سكن الساحل وسماه شطا. والذين كانوا من العرب يعيشون على البحر ويتخذون من مياهه مصدر رزق، وعيش بالبر، عرفوا بالاشتغال على الصيد من البحر، وهو نوعان: صيد للتغذية، وصيد آخر للزينة. صيادو السمك من خصائص الصيد البحري القديم عند العرب أنهم مازالوا في جهات محددة من وطنهم يحافظون على الطريقة القديمة لتصبير وتجفيف الأسماك، التي تعود لحقب أولية من التاريخ، حيث بلادهم ذات مناخ شمسي مرتفع الحرارة من مدار قاري جاف، ومنه اتخذوا عملية تجفيف الأسماك بالطاقة الشمسية، بعد تصبيرها بالملح المسوقة من القارة الإفريقية، حتى يمكن نقلها شرائح مجففة صالحة للتغذية بالمناطق الداخلية الحارة. وعن طريق البحر ساهموا في ازدهار تجارة التوابل، بين الهند وأوروبا، عن طريق بر سيناء بين البحر الأبيض المتوسط، والبحر الأحمر، قبل الربط بينهما بواسطة ترعة السويس، كما ربط العرب عن طريق البحر علاقات متعددة الجوانب، فضلا عن بلاد الهند، مع الصين عن طريق الحرير التجارية، وأوروبا عن طريق البحر الأبيض المتوسط، خاصة وأنهم عرفوا بالخبرة في صيد اللؤلؤ من البحر، والتجارة بالأحجار الكريمة التي تستعمل للتحلي بالزينة. صيادو اللؤلؤ مما ميز العرب عن غيرهم عملية الغطس في البحر بحثا عن اللؤلؤ، الذي يتخذ زينة ثمينة وحليا رفيعة عند كبار القوم. ويرجح أن صيادي اللؤلؤ من العرب هم أول من أقام علاقة تجارية من هذا النوع خارج البلد مع بلاد الهند، على اعتبار أن المجتمعات الهندية عريقة التحلي بالمجوهرات، وغيرها من الزينة بالأشياء الثمينة. الطرطوشي يحكى عن الطرطوشي أنه كان شخصية ذات وزن اجتماعي كبير من الوسط العربي، أمام الضعفاء ذوي وجه عبوس، يعلي الرأس بالطربوش، وأمام الأثرياء ذوي وجه بشوش، مهذب الشارب طيع المطالب، كانت تربطه علاقة تجارية مع صيادي اللؤلؤ من الوسط البحري والبضائع الآسيوية من البلاد الهندية. وعهد وصول الأوروبيين إلى المنطقة عبر علاقات بحرية تجارية أوصلتهم إلى الهند من محل العرب، حازوا على اتفاقية مع الطرطوشي تسمح لهم باستخراج اللؤلؤ من المنطقة البحرية، وتصريف التجارة القارية من بحر العرب. وعندها طرد الأوروبيون البحارة من منطقة اشتغالهم، وطريق تجارتهم مع الهند، حيث أغلقت منافذ التجارة والعمل في البحر. وحين رفع الصيادون شكواهم إلى الطرطوشي الشخصية النافذة في التجارة المحلية والقارية، أغلقت في وجوههم منافذ العمل بالبحر، والتجارة المحلية بالبلد، ومع الهند، مما زاد الحالة سوءا، وسلطة العصا غلظة. وأمام تلك الحالة تشنجت العلاقات بين الأطراف، وصلت من التوتر إلى حد خروج الصيادين عن جادة الصواب، ورفع اليد غضبا واحتجاجا على شخصية الطرطوشي. إنصاف الطرطوشي خلف عمل الصيادين على شخصية الطرطوشي من زمانه استنكارا غاضبا، حرك الجهات الحاكمة وأوقع الصيادين في قبضة الحكم، وتم عرض القضية على المداولة. وحينها كان الطرف الممثل للحق العام هو الطرف الحائز على الصفقة من حقوق الصيد والتجارة الدولية من المياه البحرية. وبعد المداولة، تم النظر في نازلة الصيادين والطرطوشي، من منطوق أن ما تعرض له شخص الطرطوشي من طرف الصيادين هو بمثابة اعتداء على الحامل، المثقل من ذاته، وبالمسؤولية تجاه الأطراف المحلية والقارية. وحين مراجعة الأفعال المنسوبة إلى الصيادين، أنبهم ضميرهم من محل الإدانة، وقاموا بمراجعة العلاقة مع الطرطوشي، وتم الصفح عنهم برضائه، وانتهى الرأي من المداولة، لا صيد، ولا تجارة من الشنآن بين الأطراف. وبعد أن حاد الاتفاق عن طريق الخلاف وانجلت جادة الصواب، حوّل الأوروبيون وجهتهم من طريق الهند إلى طريق العالم الجديد، وأعاد الطرطوش السفن إلى مرافئها، كما عاد الصيادون إلى الغطس بالبحر بحثا عن لؤلؤهم، وأحيوا مع الهند نشاط تجارتهم، والعمل على الصيد في مياههم، وتجفيف الأسماك المصطادة من بحرهم وشطهم.