"بعد أن أضحى منزل والدي آيلا للسقوط انتقلنا للعيش في هذا الضريح وعمري 6 سنوات، هنا ترعرعت رفقة أشقائي بين هذه القبور، وهنا تزوجت وكونت أسرتي، ولا شيء تغير طوال هاته المدة"، هكذا لخص محمد المرنيسي، الذي يعاني إعاقة على مستوى أطرافه السفلى، قصة إقامته بضريح سيدي الهيري الكائن بأحد الدروب الضيقة بمنطقة باب الفتوح بفاس. داخل أسوار هذا الضريح، المزينة جدرانه بالفسيفساء، تزدحم على أرضيته قبور مسطحة متراصة جنبا إلى جنب، يغطيها الزليج الفاسي بمختلف ألوانه وأشكاله، فيما تعلو قبراً يوجد في عمق الضريح شاهدةٌ منقوشٌ عليها بخط بديع اسم صاحب القبر وتاريخ وفاته. "أعيش حاليا رفقة زوجتي وطفلاي ووالدي وشقيقتي في غرفتين وسط هذا الضريح. وكما ترون أينما تحركنا ندوس على القبور"، يقول محمد المرنيسي، البالغ من العمر 44 سنة، والذي لا يقوى على الحركة إلا بمساعدة عكازين بسبب إعاقته، مشيرا إلى أن ظروف الفقر دفعت أسرته إلى العيش زمنا طويلا بين هاته القبور، التي قدر عددها ب40 قبرا، رغم نظرات الناس. وأضاف محمد متحدثا إلى هسبريس: "كما ترون، أبي كفيف ومقعد لا يقوى على الحركة، وأمي طاعنة في السن وتعاني مرضا مزمنا، وأنا من أتكفل بإعالة أسرتي من خلال إعادة بيع أشياء بسيطة أعرضها على طاولة قرب الضريح". وكشف محمد أن طفليه ينتابهما شعور بالخوف من البقاء لوحدهما داخل الضريح، مضيفا أنه في كل مرة يعمل على ترميم هذه البناية العريقة حتى لا تسقط فوق رؤوسهم، في انتظار أن يأتي الفرج لتعيش أسرته داخل بيت يحفظ كرامتها. من جانبها، أكدت أم محمد، البالغة من العمر حوالي 70 سنة، أن الحالة الاجتماعية لزوجها هي التي دفعتهم إلى السكن وسط قبور ضريح سيدي الهيري، مضيفة أن شريك حياتها كان مجرد بائع متجول بسيط دخله يكفي بالكاد لإعالة أفراد أسرته، قبل أن يقعده عن الحركة فقدان البصر، ويفاقم وضعه الصحي كبر سنه. وأضافت أم محمد "انتقلنا للعيش في هذا المكان لما كان عمر أبنائي بين 8 و12 سنة بعد أن أصبح منزلنا المجاور للضريح على وشك الانهيار. هنا كبر أبنائي، الذين ألحقهم والدهم مبكرا بورشات الصناعة التقليدية بعد أن عجز عن تحمل مصاريف دراستهم، وكما ترون فابني محمد رغم إعاقته هو من يعيلنا من عمله البسيط". الأم العجوز لم تخف حلمها بالانتقال للعيش في بيت لائق، معبرة عن ذلك بالقول: "إذا حنت قلوبهم لحالنا ووفروا لنا مسكنا سننتقل إليه بدون تردد، وإذا لم يكن ذلك، فرجاؤنا في الله كبير، وقبورنا تنتظرنا للانتقال إليها". فاطمة المرنيسي، التي تجاوزت عتبة الثلاثين، والتي تعيش مع شقيقها ووالديها وسط قبور ضريح سيدي الهيري، التمست، هي الأخرى، النظر بعين العطف إلى حال أفراد أسرتها، ورغبتهم في الحصول على سكن بديل، مؤكدة أنهم سئموا العيش مع الموتى طيلة هذه المدة الطويلة. "الحياة داخل هذا الضريح تجعلنا دائما عرضة للأمطار ولحرارة الصيف، كما أن مياه قنوات الصرف الصحي غالبا ما تفيض علينا، والحلم الذي رافقنا منذ الصغر هو أن يكون لنا منزل مثل باقي الناس"، تقول فاطمة، مضيفة أنها تربت رفقة أشقائها في رعب دائم بسبب هذه القبور. للتواصل مع هذه الحالة الاجتماعية، هاتف محمد المرنيسي: 0619966421