بيدٍ مرتجفة تدفع سعيدة بلخير باب منزلها بالمدينة القديمة بطنجة، آملة في قرارة نفسها ألا تكون، وهي تصعد الدرج، تلك آخر خطواتها في هذه الحياة. وبعيون ملتاعة، حزينة، تحكي سعيدة قصّة إقامتها هنا، والخطورة التي تحيط بها ليل نهار، وخشيتها من أن ينهار البيت المتداعي الذي تقيم به. وما البيت الذي انهار وأخذ معه روحاً بريئة، الاثنين الماضي، بالحيّ ذاته عنها ببعيد. تقول سعيدة، في تصريحها لهسبريس: "أقيم في هذا الطابق، أنا وبناتي الثلاث، وزوجي العاطل عن العمل، وأنا من يعول الأسرة.. بينما الجيران الذي يسكنون في المبنى ذاته رحلوا عنها لدى عائلاتهم مخافة انهياره في أية لحظة، وهو الأمر الذي لا أستطيعه لقلة إمكانياتي وضعف حيلتي". تواصل سعيدة بعيون دامعة: "نحن نكتري هذا المكان منذ ما يقارب الخمسين سنة، ومؤخرا اشتراه شخص ذو جنسية إسبانية. وبعد أن رفعنا دعوى بسبب الضرر، حكمت المحكمة لصالحنا، مطالبة الإسباني بأن يتحمل نفقة الإصلاحات في المرّة الأولى، قبل أن يصدر حكم ثان يطالبه بالهدم ثم البناء، على أن يتحمل نفقة الكراء لنا أثناء ذلك". وتكشف المتضررة في حديثها أن هناك عددا من المهندسين الذين يشتغلون بالولاية زاروا المنزل، وحذروها من مواصلة الإقامة فيه، بحكم أن انهياره كليا مسألة وقت، وتضيف: "جيراني رحلوا كما قلت.. أنا لا أستطيع ذلك، فلا مكان لدي لأذهب إليه. زوجي عاطل وراتبي بالكاد يكفينا بالظروف الحالية". تواصل سعيدة بحرقة: "عندما أتوجه نحو الإسباني الذي اشترى المنزل يخبرني أنهم يرفضون الترخيص له، وأنا أقول أن هذا – لو كان صحيحا – فإن حياتي وحياة بناتي في رقبة هؤلاء المسؤولين الذين يرفضون منحه ترخيص الهدم أو حتى الإصلاح.. لن أسامحهم أبدا". وعن الوضع الذي تعيشه حاليا، تقول سعيدة لهسبريس: "أمس فقط، حملت بناتي وخرجنا في الخامسة صباحا بعد أن أرعبتنا الزخات المطرية القوية التي تساقطت على طنجة، وخشينا أن نكون ضحايا جدد لهذه الانهيارات في المنازل بالمدينة القديمة". وتختم سعيدة حديثها: "قبل ذلك بيوم سمعت ما يشبه الانفجار القوي، وعندما سألت جارتي اكتشفت أن سقف منزلها المحاذي لي قد هوى.. نحن نعيش فعلا في رعب حقيقي، ونأمل أن يصل صوتنا إلى المسؤولين من أجل إنقاذنا قبل حدوث الكارثة، وليس لزيارتنا بعد أن يقضي الله أمره". يذكر أن حيّ أحرضان بالمدينة القديمة كان قد شهد، الاثنين، سقوط أحد المنازل التي كانت في طور الترميم، موديا بحياة أحد الأشخاص.