ما زلت أسمع في الأحاديث "رَدّْ بالْكْ مْنّو، راهْ فيهْ بْزّاف التَّحْرامِيّاتْ، واحْدْ الحْرايْمي مْنّو"، وكذلك "هاداكْ فيهْ النِّيَّة بْزّافْ"، وأتساءل ماذا يقصد المغاربة بِ "التَّحْرامِّيّاتْ" و"هاداكْ نِيَّة"؟ 1- التَّحْرامِّيّاتْ يقصد بها المغاربة نوعية من القدرات التي يمتاز بها شخص ذكي للغاية، حيث يُتقن كيفية التعامل مع الناس والتلاعب بهم لصالحه فقط، ويفوز دائما باحتيال "التَّحْرامِّيّاتْ" في جميع المواقف. 2- "فيهْ النِّيَّة" يستعمل المغاربة هذا الوصف كنوع من ازدراء الشخص الذي يتم التلاعب به بسهولة من قبل الآخرين (حسب الظاهر)، والذي لا يعرف كيف يقول "لا" ويُلبي كل خدمة طُلبت منه وله شخصية ضعيفة جدا. ما هي أسباب هذه المؤهلات السخيفة وما خطورتها على العلاقات الاجتماعية؟ 1- فشل التربية الدينية لم يكن النظام الدّيني قادراً على تحقيق ثراء الإنسان بفضائله وصفاته الجديرة بالثناء من خلال التعاون مع العلوم الإنسانية والعلوم التربوية من أجل تطوير قدرات المواطنة وخدمة الوطن، بل بقي النظام الدّيني يركز على الحلال والحرام والجنة والجحيم وعلى هوس "الأمَّة"، ناسيا أهمية المواطنة وخدمة الوطن. وما يزال النظام الدّيني يعمل على إعداد "المؤمن" عوض "المواطن" للعالم الآخر "الجنة أو الجحيم"، وهي أفكار مجردة ومثيرة للسخرية تمامًا للمثقفين والمفكرين في الوقت الحالي. ولذلك، لم يتمكن المغربي من إقامة صلة بين "مؤمن صالح" و"مواطن صالح" (السكيزوفرينيا المغربية)، ونراه يؤدي واجباته الدينية ميكانيكيا بِ "التَّحْرَمِيّات" للفوز بالجنة، وفي الوقت نفسه يخدع الوطن بِ "التَّحْرامِّيّات" وبكل اطمئنان لأنه تعلم من الدين أن الأمة التي لا تحكم بشريعة الله كافرة وتستحق الخداع. 2- انقلاب نظام القيم للأسف، يُشار إلى كل شخص محق وصادق وله فضائل إنسانية ومواطن صالح ودائمًا في خدمة المجتمع، بأنه "فيهْ النّْيَّة بْزّافْ"، أي بوضوح: شخصيته ساذجة وذكاؤه قريب من الوهن. ومن ناحية أخرى، كل شخص شرير ومناور ومارق، يُعتبر شخصًا يتمتع بذكاء شديد وله شخصية قوية ومتمكنة. 3- انقلاب نظام التربية الأبوية والمدرسية أ- المنافسة والتنافس لسوء الحظ، سواء في المنزل أو في المدرسة، تُعتبر المنافسة والتنافس حجر الزاوية للنجاح. وبعبارة أخرى، يُشترط على الطفل أن يكون الأفضل في كل شيء، ويتم تشجيعه، بطرق مباشرة أو غير مباشرة، على أن يلجأ إلى جميع الوسائل، من غش واحتيال "التَّحرميات" للحصول على أفضل مرتبة. وعندما يصبح الطفل راشدا، من المحتمل أن يستمر في سلوك "التحرميات" ويكون رجلًا ذكيًا ومحترمًا. ولهذا يقوم الموظف بخيانة الأمانة بطُرق "التَّحرميات"، ساعيا دائما إلى الاستفادة الشخصية من عمله، مثل الرشوة. وأيضًا على سبيل المثال، أثناء قيادة سيارته يسلك المغربي بِ "التّحرميات" مع قانون السير لتجاوز السيارات الأخرى ويتركها وراءه. كما نرى المغربي مثلا عند البقال أو في الإدارات لا يحترم من أمامه ويلجأ إلى "التَّحرميات" لتجاوز الآخرين. وهناك مثال آخر نراه عند أطر الدولة مثل الأساتذة والمهندسين والأطباء، يتحايلون في عملهم ويستعملون طرق "التَّحْرَمِيّات" لترك واجباتهم بسرعة فائقة ويذهبون لكسب المال في القطاع الخاص. ومع الأسف نلاحظ طرق "التَّحْرَمِيّاتْ" نفسها كذلك عند السياسيين. ب- السباق من أجل النجاح المادي تشجع التربية والمدرسة الطفل على تأمين مستقبله من خلال محاولة الحصول على نقط ونتائج جيدة بكل الوسائل الشريفة والذكية، أو بمعنى غير مباشر بِ "التَّحْرَمِيّات" لكي يحصل في مستقبله على وظيفة مهمة، أي على راتب جيد جدًا. وبعد تحقيق هذا الهدف يصبح هاجسه الموالي ضمان مستقبله، ساعيا إلى تحقيق المزيد من الثروة بكل الوسائل الممكنة، وأولها "التَّحْرمِّيَّات"، لأن الثروة الهائلة مستحيل تحقيقها بدون "التَّحْرامِّيّات". لسوء الحظ، لا تهيئ التربية الأبوية والمدرسة الطفل ليكون مواطناً صالحاً يهتم برفاهية المجتمع والإنسانية. على العكس من ذلك، تعلمه هذه التربية أن يكون أنانيًا يفكر فقط في نفسه وأسرته الصغيرة. فكيف تريدون أن ينمو مجتمعنا ويزدهر؟ *طبيب نفساني خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي