أطروحة جديدة تُعنى بدراسة الأبعاد السيميائية للخطاب الصوفي، تحديدا الزاوية الوزانية، تنضاف إلى سلسلة الإنتاج الفكري بشأن التصوف الإسلامي في المغرب، بعد مناقشتها في جامعة "لورين" بفرنسا، لتكون بذلك الأطروحة الأولى المُصاغة باللغة الفرنسية في تاريخ الجامعة التي تتناول موضوع تاريخ الزوايا الصوفية بالمملكة من زاوية سيميولوجية حصل فيها الباحث على درجة "امتياز". الأطروحة الجامعية تحمل عنوان "سيميوطيقا التصوف الشعبي في المغرب: حالة تحفة الإخوان ببعض مناقب شرفاء وزان"، للباحث العربي طاهري، الأستاذ المتقاعد من وزارة "التربية الوطنية". وهي دراسة سيميائية للمخطوطة التي ألفها حمدون بن محمد الشريف الطاهري الحسني الجوطي الفاسي بخصوص الإسلام الصوفي بمنطقة وزان في القرن الثاني عشر الهجري (القرن الثامن عشر الميلادي). الأطروحة نوقشت يوم الجمعة الماضي تحت إشراف الدكتور إدريس أبلالي، منسق ماجستير لسانيات النص والخطاب بجامعة "لورين"، بحضور لجنة علمية تتكون من كوينياس نيكولاس، أستاذ في جامعة "ليموج" الفرنسية، وسلوى العوفير، أستاذة في جامعة محمد الخامس، وفرانشيسكو تشيابوتي، أستاذ في معهد اللغات والحضارات الشرقية بباريس، وأندريه شوفين فيلينو، أستاذة في جامعة "بوركون فرانش كونتي". النص الصوفي الذي اشتغلت عليه الأطروحة تمت دراسته وتحقيقه من لدن الباحث المغربي محمد العمراني، الحاصل على دكتوراه الدولة في التاريخ، وتندرج ضمن تحليل الخطاب الديني؛ حيث تُبرِز الروابط المشتركة بين الصوفية والسيمائية من خلال تسخير الميكانيزمات السيميولوجية من أجل فهم الرهانات التي يطرحها فكر التصوّف لدى حمدون الطاهري الجوطي. ويعد حمدون الطاهري الجوطي الفاسي أحد أعلام الفكر الصوفي بالمغرب خلال القرن الثاني عشر الهجري، تناوله بالترجمة ثلة من المؤرخين والباحثين الذين ترجموا له تراجم تختلف طولا وقصرا، مع ما عرفته هذه التراجم من تباين في المعلومات المتعلقة بتاريخ وفاته. ولد الطاهري الجوطي بمدينة فاس في حدود سنة 1703 ميلادية (1115 هجرية)، انكبّ على قراءة أمهات الكتب المدونة في الفقه والحديث والتصوف والأدب والتاريخ بعد حفظه للقرآن. ويُمكن تصنيف الأطروحة المذكورة ضمن السيميائيات الكلاسيكية، وتطمح إلى "إعادة فتح المجال أمام التأويل الديني بناء على مناهج ومقاربات نصّية معاصرة؛ ومن ثمة مشاركتها في مشروع التعليم الأخلاقي والإنساني"، يقول إدريس أبلالي، المشرف على الأطروحة، مبرزا أنها "لا تستجيب فقط للمعايير الأكاديمية، وإنما تُجسد عملا طموحا على الصعيدين الفكري والاجتماعي، عبر هذا المشروع الهادف إلى الدفاع عن الإسلام الجمعي". وأضاف أبلالي، الأستاذ الجامعي المتخصص في الدراسات اللسانية والسيميائية، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الأطروحة قد تبدو في البداية أنها تجمع بين بعدين غير متّسقين؛ هما الصوفية والسيميائية"، وزاد: "السيمائية تهتم بنظرية الدلالة، في حين الصوفية تبدو غير راضية على التقاليد الدينية التي تفتقر للبعد الروحاني، لكنهما يتقاسمان موضوع البحث ويتباعدان في الوسائل والأهداف المسطرة". وأوضح المُشرف على الأطروحة الجامعية أنها "تحدد الروابط المشتركة بين الإسلام والصوفية عبر الأدوات السيميائية"، لافتا إلى أن توظيف النهج السيميولوجي في هذا العمل الأكاديمي يراد به تفكيك دلالات ومعاني "تُحفة"، باعتبارها نوعية معينة من الخطاب، وبوصفها أيضا صنفاً صوفياً يسعى إلى إعادة بناء دلالاته ومعانيه.