رئيس الحكومة يجري مباحثات مع وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي    مهنيو الإنتاج السمعي البصري يتهيؤون "بالكاد" لاستخدام الذكاء الاصطناعي    بايتاس ينفي الزيادة في أسعار قنينات الغاز حالياً    بعد فضائح فساد.. الحكومة الإسبانية تضع اتحاد الكرة "تحت الوصاية"    بشكل رسمي.. تشافي يواصل قيادة برشلونة    البطولة الوطنية (الدورة ال27)..الجيش الملكي من أجل توسيع الفارق في الصدارة ونقاط ثمينة في صراع البقاء    السلطات تمنح 2905 ترخيصا لزراعة القنب الهندي منذ مطلع هذا العام    بلاغ القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية    زنا المحارم... "طفلة" حامل بعد اغتصاب من طرف أبيها وخالها ضواحي الفنيدق    الأمثال العامية بتطوان... (582)        بورصة الدار البيضاء تنهي تداولات الخميس على وقع الأخضر    الادعاء الإسباني يدعو إلى إغلاق التحقيق في حق زوجة رئيس الوزراء    منصة "واتساب" تختبر خاصية لنقل الملفات دون الحاجة إلى اتصال بالإنترنت    تشجيعا لجهودهم.. تتويج منتجي أفضل المنتوجات المجالية بمعرض الفلاحة بمكناس    اتحاد العاصمة الجزائري يحط الرحال بمطار وجدة    تراجع حركة المسافرين بمطار الحسيمة خلال شهر مارس الماضي    نظام الضمان الاجتماعي.. راتب الشيخوخة للمؤمن لهم اللي عندهومًهاد الشروط    "اتصالات المغرب".. عدد الزبناء ديالها فات 77 مليون بزيادة وصلات ل2,7 فالمية    بعد خسارته ب 10 دون مقابل.. المنتخب الجزائري لكرة اليد يعلن انسحابه من البطولة العربية    مضامين "التربية الجنسية" في تدريب مؤطري المخيمات تثير الجدل بالمغرب    الزيادة العامة بالأجور تستثني الأطباء والأساتذة ومصدر حكومي يكشف الأسباب    المعارضة: تهديد سانشيز بالاستقالة "مسرحية"    حاول الهجرة إلى إسبانيا.. أمواج البحر تلفظ جثة جديدة    القمة الإسلامية للطفولة بالمغرب: سننقل معاناة أطفال فلسطين إلى العالم    اتساع التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جديدة    الحكومة تراجع نسب احتساب رواتب الشيخوخة للمتقاعدين    عدد زبناء مجموعة (اتصالات المغرب) تجاوز 77 مليون زبون عند متم مارس 2024    عودة أمطار الخير إلى سماء المملكة ابتداء من يوم غد    "مروكية حارة " بالقاعات السينمائية المغربية    ألباريس يبرز تميز علاقات اسبانيا مع المغرب    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    استئنافية أكادير تصدر حكمها في قضية وفاة الشاب أمين شاريز    وفينكم يا الاسلاميين اللي طلعتو شعارات سياسية فالشارع وحرضتو المغاربة باش تحرجو الملكية بسباب التطبيع.. هاهي حماس بدات تعترف بالهزيمة وتنازلت على مبادئها: مستعدين نحطو السلاح بشرط تقبل اسرائيل بحل الدولتين    "فدرالية اليسار" تنتقد "الإرهاب الفكري" المصاحب لنقاش تعديل مدونة الأسرة    منصة "تيك توك" تعلق ميزة المكافآت في تطبيقها الجديد    وكالة : "القط الأنمر" من الأصناف المهددة بالانقراض    العلاقة ستظل "استراتيجية ومستقرة" مع المغرب بغض النظر عما تقرره محكمة العدل الأوروبية بشأن اتفاقية الصيد البحري    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    سيمو السدراتي يعلن الاعتزال    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    تأملات الجاحظ حول الترجمة: وليس الحائك كالبزاز    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صدق أو لا تصدق: هوية المغرب تتكون من 8 شعوب!
نشر في هسبريس يوم 31 - 12 - 2019

كما بينت في مقالات سابقة فقد انسحبت الحركة الأمازيغية من اللغة الأمازيغية وأصبحت الآن "حركة تيفيناغية" ما يهمها هو الديكور التيفيناغي وتدريس تيفيناغ والسنة الأمازيغية وبقية الفولكلوريات.
ولم تعد الحركة الأمازيغية تنتج أو تكتب باللغة الأمازيغية ولم يعد يهمها أن يتم تمزيغ التعليم المغربي تمزيغا لغويا، ولذلك تنازلت الحركة الأمازيغية عن تمزيغ التعليم وانبطحت لصالح فرنسة التعليم. فبدل أن تدافع الحركة الأمازيغية عن تمزيغ التعليم المغربي أصبحت الآن تدافع عن فرنسة التعليم المغربي.
وحرف تيفيناغ هو حجر الزاوية في هذا الانبطاح الأمازيغي لصالح الفرنسية ولصالح سياسة الفرنسة. فالحركة الأمازيغية تعرف أن اللغة الأمازيغية بحرف تيفيناغ لن تستطيع تدريس المواد المدرسية الآن ولا في أي وقت قريب في السنوات أو العقود المقبلة. وبما أن الحرف اللاتيني Asekkil Alatin محرم وممنوع ومحظور على اللغة الأمازيغية بفتوى سياسية صادرة في أواخر 2002 عن الإخوان المسلمين بالمغرب (حزب العدالة والتنمية الإسلامي الإخواني) فقد اختارت الحركة الأمازيغية في 2019 الهروب إلى الأمام (أو إلى الوراء، ما الفرق؟) فوضعت بيضها في سلة الفرنسية وسياسة الفرنسة وساندت مضاعفة فرنسة التعليم المغربي (وزيادة إنفاق الدولة على الفرنسية) وهذا يؤدي إلى تخليد الفرنسية بالمغرب ويؤدي إلى فرنسة الإنسان المغربي والأمازيغي أكثر وإتلاف اللغة الأمازيغية أكثر.
والآن يبدو أن الحركة الأمازيغية قد انسحبت أيضا من الهوية الأمازيغية للمغرب (كما انسحبت من اللغة الأمازيغية).
وتتواصل انبطاحات (عفوا، إشراقات) الحركة الأمازيغية أو ما تبقى منها بعد أن أصبح أكثر أو أغلب أنصار الأمازيغية الآن لا يؤمنون أو لا يقولون بأن "المغرب أمازيغي الهوية وأمازيغي القومية" وإنما أصبحوا الآن يتبنون النظرية الهوياتية المخزنية الكارثية التخليطية الخلائطية الاستخلاطية التي ظهرت إلى الوجود عام 2011 في الدستور المغربي الجديد والتي مفادها أن: "هوية المغرب خليط من هويات الأجانب وتتكون من مكونات عربية-إسلامية وأمازيغية وحسانية ومن روافد أفريقية وأندلسية وعبرية ومتوسطية"!!!
إنها هوية خالوطة جالوطة لا رأس لها ولا رجلين تعبر عن الأجانب ولا تعبر عن المغرب. فهي تتكون من:
1 – الشعب الآسيوي الأول (العرب) المربوط ربطا عضويا بديانة (الإسلام).
2 – الشعب الآسيوي الثاني (الحسانيون).
3 – الشعب الآسيوي الثالث (العبريون / اليهود / بنو إسرائيل).
4 – شعب إسلامي مرتبط عضويا بشعب آسيوي هو "العرب".
5 – الشعب الأفريقي الأول (الأمازيغ).
6 – الشعب الأفريقي الثاني (يقصدون به أحفاد المنحدرين من جنوب الصحراء الكبرى من قبائل Bambara وَ Mandinka وَ Mandé في بلاد Mali والذين تم جلبهم إلى المغرب منذ العصر السعدي بعد الغزو السعدي لمملكة سونغاي في بلاد مالي عام 1590 وشكل بهم العلويون جيش عبيد البخاري).
7 – شعب أوروبي (الأندلسيون، أي: الصبنيول والبردقيز المسلمون واليهود الذين هربوا إلى المغرب بعد تحرير سكان الأندلس الإيبيريين الأصليين أرضهم من الاحتلال الأمازيغي العربي الإسلامي).
8 – شعب متوسطي غامض يطل على البحر المتوسط.
(وكأن الأمازيغ/المغاربة ليسوا شعبا متوسطيا أفريقيا!)
إذن فالهوية المغربية الخليطة الخالوطة الجالوطة التي فرضتها الدولة في ديباجة الدستور المغربي عام 2011 تتكون من هذه الشعوب الثمانية:
- 3 شعوب آسيوية (العرب، الحسانيون، العبريون / اليهود).
- شعبان (2) أفريقيان (الأمازيغ، وشعب Bambara أو Mandé المنحدر من Mali).
- شعب إسلامي واحد (1) مرتبط عضويا بشعب آسيوي هو "العرب".
- شعب أوروبي واحد (1) (الأندلسيون المنحدرون من إسبانيا والبرتغال).
- شعب متوسطي واحد (1) غامض مجهول يطل على البحر المتوسط.
الطوطال أو المجموع: 3 + 2 + 1 + 1 + 1 = 8 شعوب.
إذن حسب نظرية الهوية المغربية المكوناتية الروافدية الخليطة يتكون المغرب من 8 شعوب!
هذا ليس كلامي. هذا مجرد استنتاج منطقي حرفي من ما تروجه الدولة والحركة الأمازيغية والمثقفون المغاربة حول "الهوية المغربية المكوناتية الروافدية الخليطة" في الدستور والإعلام والمدارس والجامعات منذ 2011.
هوية المغرب القومية إذن ليست أمازيغية بل خالوطة جالوطة من الأجانب!
إنه تنكيل لم يفعله بنا أعدى أعداء المغرب وثامازغا عبر التاريخ.
تنكيل ارتكبه المغاربة ضد أنفسهم. ارتكبه الأمازيغ ضد أنفسهم.
إذا كان المغرب خليطا من كل شيء (من كل الأجانب) فهو لاشيء ولا يوجد هنالك مغرب أو Murakuc وإنما هذا المغرب / الموراكوش هو مجرد قطعة أرض غير محفظة (ما محفّظاش، ما عندهاش محافظة عقارية) التقى عليها أجانب بصدفة عشوائية!!! أرض مشاع لا مالك لها!!! وبالتالي يحق لهؤلاء الأجانب واللاجئين أن يخرمزوا المغرب وفق مزاجهم ويقسموه كما يشاءون (مثلما يحاول "الانفصاليون العرب"/البوليساريو فعله بحجة أنهم عرب ويريدون "جمهورية عربية" على أرض المغرب الأمازيغية!).
واش فهمتو كيفاش؟ هذا ما تؤدي إليه الهوية المكوناتية الروافدية الخلائطية التخليطية الخالوطة الجالوطة.
وإذا كانت الدولة (في خضم حركة 20 فبراير) قد ارتبكت وأخطأت في 2011 فخرجت بهذه الهوية الخالوطة الجالوطة المرتبكة المهلهلة فلماذا لم يتصد أنصار الأمازيغية وبقية المغاربة لهذه الهوية الخالوطة الجالوطة المصطنعة؟! لماذا انبطحوا لها وأصبحوا الآن يروجونها كحقيقة راسخة منذ الأزل؟!
ومع تصاعد سياسة الفرنسة اللغوية للتعليم والإعلام والإدارة (أي: فرنسة الإنسان المغربي) ستظهر بالتأكيد في المستقبل القريب بالمغرب لغة "دارجة فرنسية" أو "فرنسية مغربية" يتكلمها كلغته الأم جيل مغربي جديد سيسمي نفسه ب"الفرنسي" أو "الفرنسي المغربي" أو "فخونكوماغوكان". وسيظهر التعدديون والتخليطيون والتسامحيون والتمازجيون وسيقولون لك: "إيوا المهم، ضونك، جو كخوا الفرنسية (لوفخونصي) مكون من مكونات هويتنا المغربية التعددية التمازجية الخليطة! ويجب الاعتراف بالبعد الفرنسي والمكون الفرنسي للهوية المغربية في الدستور المغربي. صي طخي زامپوخطون!".
من سيمنعهم من فعل هذا؟! فأنت تروج الفرنسية ليل نهار وتفرنس المغاربة ليل نهار وتروج أن هوية المغرب خالوطة جالوطة من الأشياء الأجنبية والشعوب الأجنبية والتخرميزات الأجنبية.
ما حدث بالمغرب من تحول لغوي نحو العربية والدارجة منذ عقود أو قرون (أنتج لنا اليوم تحولا هوياتيا وفوضى هوياتية) هو شيء قابل للحدوث أيضا مع الفرنسية (والإسبانية) في ظرف 10 أو 20 عاما بسياسة الفرنسة التعليمية والإعلامية المكثفة التي تؤثر على لغة الأطفال والشباب بشكل سريع جدا.
فقد تغيرت لغة جزء من المغاربة من الأمازيغية إلى "لعربيا" أو "دّاريجا" وهي لغة هجينة (كريول) creole خليط من العربية والأمازيغية (والفرنسية مؤخرا). وأصبح الناطقون بالدارجة يسمون أنفسهم غالبا ب"العرب" عمدا أو مجازا، وغالبا ما لا يعتبرون أنفسهم أمازيغيين وذلك لانقطاع صلتهم باللغة الأمازيغية.
إذن من يفرنس المغرب لا يختلف عن من يعرب المغرب.
من يمارس الفرنسة بالمغرب لا يختلف عن من يمارس التعريب بالمغرب.
ومن يعارض التعريب ويبارك الفرنسة فهو منافق يكيل بمكيالين.
الموقف الأمازيغي الطبيعي هو معارضة الفرنسة ومعارضة التعريب معا، وترويج اللغة الأمازيغية.
وبما أن الدستور المغربي الحالي يجعل هوية المغرب تتكون من 8 شعوب أي 8 هويات، فما العيب إذن في إضافة شعب تاسع وهوية تاسعة أو مكون/رافد تاسع هو الفرنسية إلى هوية المغرب الخالوطة الجالوطة؟!
عندما يسأل الناس سعوديا عن هوية بلده وشعبه فسيقول لهم: عربية.
عندما يسأل الناس إيرانيا عن هوية بلده وشعبه فسيقول لهم: فارسية.
عندما يسأل الناس إسرائيليا عن هوية بلده وشعبه فسيقول لهم: يهودية / عبرية.
وعندما يسألك الناس عن هوية المغرب بلدك وشعبك فماذا ستقول لهم؟
خليط؟ ياك!
الجواب الصحيح: هوية المغرب هي الهوية الأمازيغية والقومية الأمازيغية.
وبالنسبة للمهووسين بالعرق فأذكرهم مرة أخرى بأن العرق لا علاقة له بالموضوع. الأعراق هي العرق الأبيض والأسود والأسمر...إلخ. أما الأمازيغية فليست عرقا وإنما هي: قومية.
و"القومية الأمازيغية" باللغة الأمازيغية هي:
Aɣalac Amaziɣ أو Taɣalca Tamaziɣt
(المعجم العربي الأمازيغي، محمد شفيق، منشور في 1996).
الحركة الأمازيغية تقاعد منها من تقاعد (بسبب كبر السن) وانسحب منها من انسحب وتوظف منها من توظف وانظم منها إلى "السياسة البربرية الجديدة" الريعية من انظم.
والآن في نهاية 2019 وبداية 2020 أصبح أنصار الأمازيغية مطبعين تطبيعا خنوعا كاملا مع الترسيم الكارثي الأعوج المشوه المقزم المؤجل المجمد للغة الأمازيغية في الفصل رقم 5 من دستور المغرب. ولا يجرؤ أحد منهم الآن على المطالبة بتعديله. بل لا يجرؤون على الاعتراف بوجود المشكل الدستوري أصلا.
لا تهمهم الحالة المزرية الكارثية للغة الأمازيغية في الدستور المغربي وإنما تهمهم السنة الأمازيغية وطلاسم تيفيناغ على "البلايك" التي لا يقرأها أحد.
وأيضا أصبح أنصار الأمازيغية الآن مطبعين تطبيعا خنوعا كاملا مع كارثة "القانون التنظيمي" الذي أنتجه أبوه الفصل الدستوري رقم 5. أنصار الأمازيغية استنكروا في أول الأمر تأخر "القانون التنظيمي" ومضمونَه الذي قالوا بأنه لادستوري (علما أن الدستور الذي يتمسحون به هو أصلا يظلم الأمازيغية!)، ثم بعد أن صفعتهم المحكمة الدستورية في شتمبر 2019 وحكمت بدستورية ذلك القانون (وهذا منطقي لأنه قانون مبني على الفصل الدستوري الخامس الكارثي الذي هو أصل المشكلة وجذرها) استكان أنصار الأمازيغية و"ضربو طّمّ" وسكتوا عن الكلام المباح وقبلوا ب"القانون التنظيمي" رافعين أكف الضراعة إلى الدولة بالدعاء المستجاب: "تسريع تنزيل القانون التنظيمي وتنزيل مواده وفصوله حسب جدوله الزمني".
وهكذا دخل "القانون التنظيمي للأمازيغية" الآن في لائحة "منجزات الحركة الأمازيغية" ولائحة "المكتسبات الحقوقية"!!!
الحاصول: انبطاح بعد انبطاح. فالانبطاح يولد الانبطاح.
وفي ما يخص النقاش المغربي العمومي حول لغة تدريس العلوم فقد شهدنا أيضا مقامة من "المقامات الانبطاحية" الأمازيغية عندما انبطح أنصار الأمازيغية لسياسة الفرنسة وانتصروا لها ضد التعريب (بينما الأمازيغية "مولات الدار" مغيبة تماما عن النقاش وكأنها لغة من جزر الواق واق)، بينما المطلوب ممن يسمي نفسه "نصيرا للأمازيغية" أن يحارب ويقاتل ويناضل (فكريا وسياسيا) من أجل تمزيغ التعليم المغربي وتمزيغ المواد العلمية والأدبية المدرسية من الآن بدون تأخير ولا تأجيل (مثلما يقاتل الإسلاميون من أجل التعريب الفوري لترويج المشروع الإسلامي، ومثلما يقاتل الفرنكوفونيون من أجل الفرنسة الفورية لترويج منتوجاتهم الفرنسية من مطبوعات ومدارس خصوصية).
بل وصل انحطاط مواقف كثير من أنصار الأمازيغية إلى أنهم زعموا بأن اللغة الأمازيغية عاجزة كعجز العربية عن تدريس المواد العلمية وأنها غير جاهزة لذلك، وغرضهم في ذلك تسويغ سياسة الفرنسة.
وقد رددت على هذا الهراء الانبطاحي بثلاثة مقالات بينت فيها بالأمثلة العملية أن اللغة الأمازيغية قادرة وجاهزة لتدريس الفيزياء والرياضيات والتربية الإسلامية/المسيحية/الدينية للتلاميذ المغاربة الآن فورا.
التيفيناغيون يلصقون عجز تيفيناغ بالأمازيغية. ويلصقون مشاكل تيفيناغ ومحدوديته بالأمازيغية. وبينت أن اللغة الأمازيغية ستنجح في المدى القصير المنظور في تدريس المواد المدرسية إذا كتبناها بالحرف اللاتيني.
ومن يزعم بأن تمزيغ المواد المدرسية انطلاقا من الآن هو شيء صعب بسبب عدم توفر الأساتذة والمعلمين القادرين على تدريس المواد المدرسية العلمية والأدبية باللغة الأمازيغية فالرد عليه هو:
- الحرف اللاتيني يسرع عملية تمزيغ المواد المدرسية (تمزيغ الكتب، وتكوين الأساتذة).
- الفرنسية نفسها لا تستطيع فرنسة التعليم بأكمله في المغرب لأنه يوجد نقص ضخم في الأساتذة القادرين على تدريس المواد بالفرنسية. ورغم ذلك بدأت الدولة فورا عملية الفرنسة في جزء من المدارس بالتدريج!
- التمزيغ لا يعني تمزيغ كل شيء بضربة واحدة وإنما البدء من الآن. والحرف اللاتيني يسهل ذلك.
انبطح أنصار الأمازيغية للفرنسة ظانين أنهم انتصروا على التعريب بينما هم "بدلو حمار بأغيول". فالتعريب يمحو الأمازيغية. والفرنسة تمحو الأمازيغية. لا فرق بينهما.
بدل الدفاع عن التمزيغ. اختار أنصار الأمازيغية الدفاع عن سياسة الفرنسة!
ولكن مهلا. لماذا؟ ما السبب؟
الجواب موجود. إذا عرف السبب بطل العجب.
أنصار الأمازيغية المحسوبون على الإيركام ومن يدور في فلكه يعرفون جيدا أن اللغة الأمازيغية بحرف تيفيناغ غير قادرة على أن تلعب الآن أو في السنوات المقبلة دور لغة تدريس المواد المدرسية العلمية والأدبية لأن لا أحد يقرأ حرف تيفيناغ ولا أحد يستطيع التدريس بتيفيناغ ولأن نشر حرف تيفيناغ سيتطلب نصف قرن أو قرنا بالمغرب.
وبما أن أنصار الأمازيغية المحسوبين على الإيركام ومن يدور في فلكه لا يريدون العودة إلى موضوع الحرف اللاتيني ولا مناقشة الأساسيات الأخرى كتعديل الفصل الدستوري رقم 5 (خوفا من الاصطدام بالإسلاميين التعريبيين أو طمعا في التوظيف لدى الإيركام أو مجلس اللغات وغيره الذي يستوجب الخضوع للسياسة البربرية المخزنية الحالية) فإن أنصار الأمازيغية بمشاهيرهم الإعلاميين وأصحاب الصف الثاني والعاشر قد قرروا جميعا القبول بالأمر الواقع الذي تفرضه "السياسة البربرية الجديدة" وقرروا مساندة كل ما يتنزل من الدولة من "قوانين تنظيمية" و"تدابير بيروقراطية" وفولكلور تيفيناغي لا يستطيعون هم أصلا قراءته.
لقد تمخزنت الحركة الأمازيغية أو ما تبقى منها من "أنصار الأمازيغية" تمخزنا كاملا. والمقصود هنا ب"التمخزن" هو اعتناق وجهة نظر الدولة اعتناقا كاملا بل والدفاع عن "السياسة البربرية الجديدة" التي تنهجها الدولة تجاه الأمازيغية (لغة وهوية، دستوريا وقانونيا وإداريا).
وتعتبر مواقف الأستاذ أحمد عصيد نموذجا لهذا التمخزن والتدهور الأمازيغي:
- فالأستاذ أحمد عصيد كان يساند كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني ثم انقلب وأصبح يساند تيفيناغ مسايرة لما تم فرضه في 2003 في الإيركام بضغوط سياسية إسلامية إخوانية!
- والأستاذ أحمد عصيد انتقد في أول الأمر الطريقة السيئة التي تم بها ترسيم اللغة الأمازيغية في الفصل رقم 5 من دستور 2011 ثم اندمج في "الدينامية" وأصبح الآن يزعم بأن ذلك الترسيم "مكسب" وأن "الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية"! متناسيا ومتغافلا عن أنه لا توجد مساواة في الدستور المغربي بين اللغة الأمازيغية واللغة العربية، ومتجاهلا أن الدستور المغربي يظلم اللغة الأمازيغية.
"الظلم" أصبح الآن "مكسبا من المكاسب". انقلبت المعايير عند الأستاذ أحمد عصيد وأنصاره.
- ثم إن الأستاذ أحمد عصيد مدح مشروع "القانون التنظيمي للأمازيغية" في تصريح لموقع "يابلادي" Yabiladi في عام 2016 هكذا: "أعتقد أن هذا القانون إيجابي بنسبة 90 في المائة"!!! ثم غير الأستاذ أحمد عصيد لاحقا رأيه فوصف مشروع "القانون التنظيمي" عام 2017 بأنه: "يكرس الميز بين المغاربة ويرسخ مظاهر التمييز بين العربية والأمازيغية" وأن "هذا مشروع قانون غير مقبول" وبأنه صيغ ب"فقرات تحايلية". ثم في 2019 وصف الأستاذ عصيد النسخة النهائية من "القانون التنظيمي للأمازيغية" بأنه "قانون غير دستوري" وبأنه "غير واضح ومبهم" وبأنه "يجب تعديله". والآن يبدو أن الأستاذ أحمد عصيد وأنصاره قد قبلوا بالأمر الواقع الذي يفرضه هذا "القانون التنظيمي الغير المقبول المتحايل الذي يميز بين المغاربة" كما وصفوه سابقا قبل توبتهم واندماجهم في "الدينامية"!
- أما رأي الأستاذ أحمد عصيد (وأنصاره) حول هوية المغرب فهو من باب الغيب إذ أنه يتناقض ويتقلب باستمرار. فالأستاذ أحمد عصيد تارة يقول أن "المغرب أمازيغي" ثم يقول تارة أخرى أن "هوية المغرب خليط من مكونات وروافد وأنه تجب ترقية ما يسمى الرافد الأفريقي (يقصد ذوي الأصل الجنوب صحراوي من بلاد Mali وما جاورها) إلى مرتبة "مكون" من مكونات هوية المغرب الخليطة! متاهات في متاهات.
(الحقيقة هي: المغرب أفريقي أتوماتيكيا عبر أمازيغيته وشعبه الأمازيغي، وليس عبر بعض المهاجرين السنغاليين والماليين. المغرب أفريقي لأنه أمازيغي).
تارة يلعب الأستاذ أحمد عصيد دور "المناضل الأمازيغي" ويقول عبارة "المغرب أمازيغي" وتارة يلعب الأستاذ أحمد عصيد دور المحلل السياسي أو الناشط السياسي أو الحقوقي فيخبرنا عن "هوية المغرب المكوناتية الروافدية التعددية الخليطة" وكيف أنها "مكسب في دستور 2011"!
كيف وصل المغرب إلى هذا الحضيض؟ (المتمثل في):
- إتلاف هوية المغرب الأمازيغية القومية التي تضمن الوحدة الوطنية والقومية للمغرب واستبدالها بخزعبلة التخليط والمكونات الأجنبية والروافد البرانية التي تزرع التقسيم والانفصالية (والبوليساريو العروبي التعريبي البعثي الذي يرفع راية حزب البعث/فلسطين هو ثمرة من ثمار العبث بالهوية القومية الأمازيغية للمغرب)،
- إتلاف اللغة الأمازيغية بالترسيم الدستوري المشوه المجمد (الفصل 5) وبالقانون التنظيمي الكارثي،
- فرض شلل اصطناعي على اللغة الأمازيغية بحرف تيفيناغ وحرمانها من الحرف اللاتيني إرضاء للإسلاميين،
- مضاعفة سياسة فرنسة التعليم وتأبيد اللغة الفرنسية بالمغرب وتحويل المغاربة إلى أتباع ثقافيين ولغويين لفرنسا بجانب تبعيتهم للسعودية وقطر ولبنان وسوريا،
- استبعاد اللغة الأمازيغية من تدريس المواد المدرسية (ومنح ذلك المجال للعربية والفرنسية برضى الحركة الأمازيغية) وتحويل الأمازيغية إلى لغة فولكلور تدرس كنوع من تراث الأنديجان Les indigènes.
الجواب هو: سبب وصول المغرب إلى هذا الحضيض هو انبطاح مثقفي المغرب وضمنهم مثقفو الأمازيغية ومثقفو اليسار وأتباع "تاحاداثيت" والحداثة السطحية القشورية. أما المثقفون الإسلاميون فالضرر الذي ألحقوه بالمغرب يعرفه القاصي والداني بدءا من محاربة الأمازيغية إلى محاربة الحرية.
إنه انبطاح المثقفين المغاربة للأمر الواقع وسكوتهم عن المطالبة بالإصلاح أو التغيير (مثل إصلاح أو تغيير الدستور) وجبنهم أمام الإسلاميين وسقوطهم في ألاعيب أحزاب الدولة وألاعيب الدولة ومسايرتهم الموضات السياسية والفقاعات الإعلامية الفارغة وتعاميهم عن جذور المشاكل المغربية.
فهل سيستمر أنصار الأمازيغية في 2020 في التهربات والمراوغات والانبطاحات؟
أم سيضربون في المعقول؟
شنو هو المعقول؟ ها هو المعقول:
يجب تعديل ديباجة الدستور المغربي لكي تنص على أن المغرب، واسمه الأمازيغي هو Murakuc، هو دولة أمازيغية وبلد أمازيغي ينتمي إلى العالم الأمازيغي وتنبع هويته من الأرض الأمازيغية المغربية (وليس من روافد أجنبية وبلدان أجنبية وشعوب أجنبية).
ويجب تعديل الفصل الخامس من الدستور المغربي جذريا بحذف "القانون التنظيمي" منه، ويجب التنصيص بعبارة واضحة قاطعة على أن اللغة الأمازيغية واللغة العربية هما اللغتان الرسميتان للدولة المغربية وأنهما لغتان متساويتا الرسمية شكلا ومضمونا ومفعولا وأن طابعهما الرسمي فوري وكامل وشامل ومطلق وغير قابل للتأجيل. وترسيم اللغتين في كل المؤسسات يجب أن يكون نابعا من الدستور مباشرة بدون أية قوانين مقيدة وبدون أية أفخاخ بيروقراطية. ويجب أن تلغي الحكومة هذا "القانون التنظيمي" الكارثي المسمى 26.16. فهذا "القانون التنظيمي للأمازيغية" فخ دستوري بيروقراطي وظيفته استنزاف ثم إعدام اللغة الأمازيغية.
ويجب على أهل اللغة الأمازيغية Tutlayt Tamaziɣt أن يعيدوا فتح ملف الحرف اللاتيني. فاللغة الأمازيغية لن يتيسر وينجح ترسيمها بشكل وظيفي عملي نافع فعال إلا بالحرف اللاتيني، ولن يتيسر تدريسها وتدريس المواد العلمية والأدبية المدرسية بها في المدى القصير المنظور إلا بالحرف اللاتيني.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.