تمر أيام عصيبة على شرذمة من أولئك الذين ينظر إليهم مغاربة وما هم بذلك، قلوبهم وفكرهم وعقيدتهم تحمل حقدا دفينا على هذا البلد. ولعلي بذلك أومئ إلى بعض ما يسمون باليساريين و"الخونجيين". لقد أصابهم جنون البقر ومن فرط ما أصابهم فقدوا القدرة على التمييز ما بين بديهيات وثوابت الوطن غير القابلة للتفريط فيها ولا للمزايدات الرخيصة وما بين القضايا الإقليمية التي لا ينبغي أن تقيد مواقف الدول إلى الأبد إلا بحسب ما تمليه الظروف وما تمليه المصالح. ولعل الدول التي تحترم نفسها تضع في المقال الأول مصالح واستقرار شعوبها ولا تحيد عن هذه البراغماتية. فالعلاقات الدولية قائمة على المصالح ومن يقول يغير ذلك، كبعض من يعشعش في بطانتنا، فهو واحد من اثنين خائن للوطن ومرتزق أو مريض يجب التعجيل بنقله إلى مستشفى الأمراض العقلية. لقد زلزلت الأرض من تحت أقدامهم حينما خرج عليهم وزير خارجيتنا السيد ناصر بوريطة بكلام لا يقوله إلا الحكماء والغيورين على وطنهم بخصوص موقف المغرب من الصفقة التي يعرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحلحلة النزاع الفلسطيني الاسرائيلي، وليس الصراع العربي الإسرائيلي. وما تفضل به السيد الوزير لا يخرج عن السياق العام للدبلوماسية المغربية. لقد أكد السيد بوريطة، وهو محق في ذلك، على أن الخطة الأمريكية تتحدث عن حل يرمي إلى إقامة دولتين وهو مرتكز من مرتكزات بلادنا حيال هذا النزاع، وثانيا أوضح السيد الوزير أن المغرب لا يسمح لنفسه بأن يحل محل الفلسطينيين كي يقبل أو يرفض العرض الأمريكي عندما قال " لا ينبغي أن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين". أين هو العيب في ذلك، بل العيب أن يتدخل المغرب في القرار الفلسطيني أو يفرض عليه وصاية كما فعلت العديد من الدول العربية في السابق حيث كان الفلسطينيون مبعثرون وموزعون بين عدة وصايات عربية متضاربة إلى درجة من الخطورة غابت معها تماما استقلالية الفلسطينيين في تدبير شؤونهم. وعقب هذا الكلام الشفاف للسيد الوزير توالت ردود فعل أقل ما توصف به أنها طائشة وتنطلق من كيدية سواء تجاه الوزير أو تجاه الوطن. فالمراهق اليساري عبد القادر الشاوي والذي ثبت اليوم بالدليل أن تعيينه في السابق كسفير للمغرب كان خطأ، كيف سمح هذا الرجل لنفسه أن ينشر في تغريدة له كلاما سوقيا وصادما "وتا سير تنبك نعم يجب أن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين...". شخصيا لا أستطيع أن أستسيغ أن هذا الشخص كان سفيرا لدولة اسمها المغرب وهو يتحدث بهذا الأسلوب. ثم لا أفهم أنه كيف كان يدافع عن قضيتنا الوطنية في الوقت الذي يحمل فيه هذا الفكر الذي لا علاقة له بمصالح الوطن. كلامه صادم ومفزع ويترك انطباعا أن المدة التي قضاها في الشيلي كان فيها ممثلا للسلطة الوطنية الفلسطينية. وإذا استثنينا هذه الفرضيات، لا نجد تفسيرا لهذا الموقف سوى أنه ينطلق من حالة إحباط وحقد دفين وسخط عارم يغلي في شرايين السيد عبد القادر الشاوي ضد السيد ناصر بوريطة بدعوى أن هذا الأخير أقاله من منصبه ورفض أن يكون مديرا لديوانه. ولعل الأخطر في هكذا سلوكيات أن تشوش النزوات والاعتبارات الشخصية على السياسات العمومية، لاسيما وأنها تصدر من رجل يوهم الناس بأنه تقدمي. أما السيد أحمد ويحمان الذي تفجرت عبقريته إلى حد أن كشفت عن نواياه ومخططاته المناوئة للمغرب. يقول تحت اندهاش المغاربة أن القضية الأولى للمغرب هي القضية الفلسطينية وأن القضية الوطنية تأتي في المقام الثاني. أليس هذا ضرب من الجنون من شخص يزعم أنه مغربي ويضرب عرض الحائط إجماع المغاربة حول أن قضية أقاليمنا الجنوبية هي القضية الأولى وهي القضية التي يمسي ويصحا عليها كل المغاربة منذ أربعين عاما. فهل نسي أو تناسى أن المغاربة احتشدوا في مسيرة سلمية وتركوا خلفهم أزواجهم وزوجاتهم وأبناءهم ومساكنهم ليعانقوا رمال أقاليمهم الجنوبية وليواجهوا بصدورهم دبابات الاحتلال الإسباني، لا سلاح لهم سوى المصاحف إيمانا منهم أن حب الأوطان من الإيمان. كل هذا قد حدث وصاحبنا يستخف بالمغاربة الأحرار ليفرض عليهم أجندته البئيسة. فكيف يسمح لنفسه أن يمحو بشطحاته الفكرية كل التضحيات التي لم يسترخصها الشعب المغربي وإلى غاية هذه الساعة في قوته اليومي وفي أرواح أبنائه الشهداء لكي يتبنى قضية أخرى لها أهلها ولها أصحابها. أيها هذا الذي اسمه ويحمان عليك أن تعلم أن هذا الكلام الخطير هو إهانة للشعب المغربي ومؤامرة ضد الوطن. وأن دعوتك هي دعوة للتخلي عن القضية والتخلي عنها هو ضرب لاستقرار المغرب وخلق مشاكل لنظام الشعب المغربي. وكل أطياف المجتمع المغربي ترفض هذا التوجه بل تعتبره طعنة في ظهر كل المغاربة. إن مخططات هذه الشرذمة ترمي فيما ترمي إليه هو رؤية الدولة والنظام في حالة فوضى يعانون من متاعب وقلاقل داخلية. وأمام هذا الانزلاق الخطير والخروج عن الإجماع الوطني وعن الثوابت يجب على الدولة المغربية أن تتحمل مسؤولياتها وبصرامة للضرب على يد العابثين بمصالح الوطن، ويجب على السيد الوزير ناصر بوريطة "يخرج عينيه" ويصدح تحت قبة البرلمان لأنه يرافع من أجل قضية مقدسة في وجه كل من تسول له نفسه أن ينال منها. فرسالة السيد الوزير قوية جدا وهي لسان حال المغاربة لكن أداءه في المواجهة والتبليغ يجب أن يكون أقوى. وإذا كانت قضيتك الفلسطينية السيد ويحمان هي قضيتك الأولى فماذا تركت للقيادة الفلسطينية. بل كان حريا بك أن تحجز لك مقعدا مع الوفد الفلسطيني للتفاوض مع الإسرائيليين كما يفعل شقيقك صائب عريقات وأختك في الرضاعة حنان عشراوي، وهي مباحثات تجرى مع بنيامين نتنياهو والغريب أنك لا تعترض عليها من منطلقاتك المعارضة للتطبيع فيما تستحضر تلك المنطلقات كلما تعلق الأمر بأي تحرك مغربي. انها سياسة الكيل بمكيالين. المواقف الحقيقية لمن يريدون أن يضعوا بصماتهم في التاريخ ليس هو الرفض كم يحلو لك ولغيرك لأن الرفض موقف رخيص ولا يخدم القضية في شيء، بل ما هو البديل وأنتم المتخاذلون لا قدرة لكم لطرح هذا السؤال. فالعرب منذ لاءات الخرطوم وقبلها وبعدها ورطوا القضية وأدخلوها في متاهات وها هم الفلسطينيون البسطاء يؤدون وحدهم الثمن. فاحتجاجاتك في شوارع الرباط لن تفيدهم في شيء بل ستزيدهم معاناة. وانت الغيور على القضية متى ستسمح لنفسك ولأمثالك أن تذهبوا الى تحرير القدس، ماذا تنتظرون انها جريحة تستغيثكم فهبوا إلى إنقاذها عوض الإكثار من النبح في أزقة الرباط. فأردوغانكم قال لنا أن القدس خط أحمر، وها هي القدس يتم يوميا تهويدها، وتركيا ما زال علم سفارتها يرفرف فوق سماء تل أبيب. يا معشر المهرجين إنكم ظاهرة صوتية كفوا عن بيع الوهم للمغاربة. فالمغاربة الأحرار رفعوا شعارهم منذ زمن حينما خرجوا يصدحون ويرددون "تازة قبل غزة". إنها رسالة لا تريدون التقاطها. بينما نحن الوطنيون الأحرار ستبقى قضيتنا حية في الوجدان.