يرى المتتبعون للشأن الدولي أن التواجد العسكري التركي في ليبيا، بذريعة دعم حكومة الوفاق ضد الجيش الوطني الليبي، يتمثل الغرض منه في إحياء الامبراطورية العثمانية التي كان نفوذها قد امتد إلى الجزائر، دون أن يشمل المغرب. وبحسب دراسة تحليلية نشرها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، فإن تركيا بدأت مع رجب طيب أردوغان تفكر في إحياء مجد "الامبراطورية العثمانية" منذ سنة 2003 بعد إعداد "استراتيجية تنمية العلاقات الاقتصادية مع البلدان الأفريقية، التي كان هدفها المعلن هو الحصول على المواد الخام، وتعزيز التجارة مع أفريقيا. وفي عام 2008، عُقدت قمة التعاون التركية الأفريقية في إسطنبول. ومنذ ذلك الحين حدثت طفرة في الزيارات رفيعة المستوى إلى القارة". ويسعى الرئيس التركي، بحسب الدراسة التحليلية، إلى إعادة تشكيل الأوضاع الجيوسياسية في أفريقيا، ذلك أنه بعد افتتاح القاعدة العسكرية في الصومال سنة 2018، "وقّعت تركيا مع نظام الرئيس المخلوع عمر البشير عقد إيجار لميناء سواكن، وهي جزيرة سودانية في البحر الأحمر كانت تُعتبر ميناءً عثمانيًّا قديماً. وادّعت أنقرة أنها تخطط لإعادة تطويره كمنتجع سياحي بتمويل قطري، لكن الخفيّ هو السعي لتطويق بعض الدول التي تعاديها أنقرة". ويؤكد الكاتب الدكتور حمدي عبد الرحمان أن التحركات التركية ترتبط "بالصراع الدولي على الموارد الطبيعية في كل من البحر الأحمر وشرق المتوسط. وقد تورطت تركيا بشكل سافر في الأزمة الليبية، وهو ما يخالف ادعاءاتها السابقة بالتركيز على جوانب التعاون الاقتصادي والتنموي. فقد وقفت تركيا خلف حكومة الوفاق الوطني بزعامة فايز السراج، حيث أرسلت طائرات بدون طيار مسلحة ومستشارين عسكريين ومتمردين سوريين متحالفين مع أنقرة إلى طرابلس". وظهرت بوادر التغلغل الاستراتيجي لتركيا، بحسب الدراسة نفسها، مع الجولة التي قام بها أردوغان في إفريقيا أواخر يناير 2020، والتي شملت الجزائر والسنغال وزامبيا؛ إذ تبين أن هناك "محاولات لإعادة تشكيل ميزان القوى الدولي، ولا سيما التنافس التركي-الفرنسي من جهة، والبحث عن حلفاء جدد بعد سقوط نظام الإخوان المسلمين في السودان من جهة أخرى. وتُشير الإحصاءات إلى أنه منذ عام 2017، حلت تركيا محل فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة في الجزائر، باعتبارها أكبر مستثمر أجنبي في البلاد من خلال نحو ألف شركة تركية. وقد تجاوز حجم التجارة الجزائرية التركية في نهاية عام 2019 مبلغ 4 مليارات دولار". وبحسب المصدر نفسه، فإن التحرك التركي صوب أفريقيا "ينطلق من طموحات قوية وأحلام إمبراطورية تاريخية، يستند في مشروعه التوسعي إلى الاعتماد على القوة العسكرية جنبًا إلى جنب مع الأدوات الاقتصادية والدبلوماسية. وتُمثّل حالة الضعف والهشاشة التي تُعاني منها الدول الأفريقية-مثل ليبيا والصومال-وضعًا مثاليًّا للاستغلال من قبل العديد من القوى الوسطى الطموحة وعلى رأسها تركيا، وهو ما يُكرر حالة التدافع الأولى على أفريقيا من قبل القوى الأوروبية خلال الفترة الإمبريالية". ويسعى نظام أردوغان، من خلال هذه الاستراتيجية التي اعتمدها في افريقيا، إلى استعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية على التراب الأفريقي. حيث كان معظم الشمال الأفريقي والسودان وإريتريا وإثيوبيا وبلاد الصومال جزءًا من الدولة العليا، كما امتد نفوذ العثمانيين من خلال معاهدات الصداقة والتحالف إلى إمبراطورية كانم-بورنو التي كانت تسيطر على ما يشكل حاليًّا دول نيجيريا والنيجر وتشاد، ووصل النفوذ العثماني إلى منطقة الكيب في الجنوب الأفريقي حينما اتجه "أبو بكر أفندي" إلى هناك ليكون إمامًا للمسلمين. كما شارك مسلمو جنوب أفريقيا بنشاط في حملات بناء سكة حديد الحجاز، وجمعوا الكثير من الأموال.