إيران لإسرائيل: الرّد ديالنا التالي غايكون على أقصى مستوى    ألف درهم تساوي 8000 درهم.. عملية نصب كبرى تتربص بالطنجاويين    جبريل في بلا قيود:الغرب تجاهل السودان بسبب تسيسه للوضع الإنساني    لاعبو بركان يتدربون في المطار بالجزائر    هشام العلوي: استفحال اقتصاد الريع في المغرب ناتج عن هشاشة سيادة القانون والنظام يخشى الإصلاح الاقتصادي الجوهري (فيديو)    دراسات لإنجاز "كورنيش" بشاطئ سواني    أمن مراكش يوقف شقيقين بشبهة النصب    ندوة تلامس السياق في الكتابات الصوفية    بانتصار ساحق على ليبيا.. المغرب يبلغ نهائي كأس إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة ويضمن التأهل للمونديال    المغرب يسعى لاستقطاب مليون سائح أمريكي سنويا    إعلام عبري.. نتنياهو صرخ في وجه وزيرة خارجية ألمانيا: نحن لسنا مثل النازيين الذين أنتجوا صورًا مزيفة لواقع مصطنع    نقابة: نسبة إضراب موظفي كتابة الضبط في دائرة آسفي فاقت 89% رغم تعرضهم للتهديدات    إطلاق الرصاص لتوقيف شخص عرّض أمن المواطنين وسلامة موظفي الشرطة لاعتداء جدي ووشيك باستعمال السلاح الأبيض    المكسيك – موجة حر.. ضربات الشمس تتسبب في وفاة شخص وإصابة العشرات    طقس السبت.. أمطار رعدية ورياح قوية بهذه المناطق من المغرب    ما الذي قاله هشام الدكيك عقب تأهل المغرب المستحق إلى كأس العالم؟    العرض السياحي بإقليم وزان يتعزز بافتتاح وحدة فندقية مصنفة في فئة 4 نجوم    الجدارمية د گرسيف حجزوا 800 قرعة ديال الشراب فدار گراب بمنطقة حرشة غراس    طلبة الصيدلة يرفضون "السنة البيضاء"    مسؤول بلجيكي : المغرب وبلجيكا يوحدهما ماض وحاضر ومستقبل مشترك    وزير الفلاحة المالي يشيد بتقدم المغرب في تدبير المياه والسدود    صلاح السعدني .. رحيل "عمدة الفن المصري"    المغرب وروسيا يعززان التعاون القضائي بتوقيع مذكرة تفاهم    وزارة التجهيز والماء تهيب بمستعملي الطرق توخي الحيطة والحذر بسبب هبوب رياح قوية وتطاير الغبار    الأمثال العامية بتطوان... (577)    تسجيل حالة وفاة و11 إصابات جديدة بفيروس كورونا خلال الأسبوع الماضي    المعرض الدولي للكتاب.. بنسعيد: نعمل على ملائمة أسعار الكتاب مع جيوب المغاربة    ها أول تعليق رسمي ديال إيران على "الهجوم الإسرائيلي"    خاص..الاتحاد ربح الحركة فرئاسة لجن العدل والتشريع وها علاش الاغلبية غاتصوت على باعزيز    "لارام" و"سافران" تعززان شراكتهما في صيانة محركات الطائرات    مؤشر ثقة الأسر المغربية في وضعها المالي يتحسن.. وآراء متشائمة في القدرة على الادخار    تعرض الدولي المغربي نايف أكرد للإصابة    مجلس النواب يعقد جلسة لاستكمال هياكله    ارتفاع كبير في أسعار النفط والذهب عقب الهجوم على إيران    بورصة الدار البيضاء تفتتح التداولات بارتفاع    "إعلان الرباط" يدعو إلى تحسين إدارة تدفقات الهجرة بإفريقيا    موعد الجولة ال27 من البطولة ومؤجل الكأس    طوق أمني حول قنصلية إيران في باريس    المكتب التنفيذي ل"الكاف" يجدد دعمه لملف ترشيح المغرب وإسبانيا والبرتغال لتنظيم مونديال 2030    بسبب فيتو أمريكي: مجلس الأمن يفشل في إقرار العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة    "ميتا" طلقات مساعد الذكاء الاصطناعي المجاني فمنصاتها للتواصل الاجتماعي    صورة تجمع بين "ديزي دروس" وطوطو"..هل هي بداية تعاون فني بينهما    منظمة الصحة تعتمد لقاحا فمويا جديدا ضد الكوليرا    باستثناء الزيادة.. نقابي يستبعد توصل رجال ونساء التعليم بمستحقاتهم نهاية أبريل    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    التراث المغربي بين النص القانوني والواقع    أخْطر المُسَيَّرات من البشر !    ورشة في تقنيات الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية بجماعة عرباوة    مهرجان خريبكة الدولي يسائل الجمالية في السينما الإفريقية    الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم يطالب بفرض عقوبات على الأندية الإسرائيلية    بيضا: أرشيف المغرب يتقدم ببطء شديد .. والتطوير يحتاج إرادة سياسية    نصف نهائي "الفوتسال" بشبابيك مغلقة    "قط مسعور" يثير الرعب بأحد أحياء أيت ملول (فيديو)    الانتقاد يطال "نستله" بسبب إضافة السكر إلى أغذية الأطفال    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (6)    الأمثال العامية بتطوان... (575)    هاشم البسطاوي يعلق على انهيار "ولد الشينوية" خلال أداء العمرة (فيديوهات)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حدود الشعر والبرُوبَاغَندا...
نشر في هسبريس يوم 01 - 03 - 2020

بدأت البروباغندا عند العرب منذ القديم لكن شعرا، ولازالت قائمة إلى يومنا هذا بأشكال مختلفة، قبل أن تصبح عند الغرب مادة إعلامية، تتداخل فيها كل العناصر المُمكنة من علم نفس ومختلف التكنولوجيات الحديثة. وقد كان الشعر منذ القديم، كما البروباغندا، ولا يزال إلى حدود الآن سلاحا إعلاميا فعالا وفتاكا في الحرب كما في السلم. أليست خطب الزعماء دغدغة للعواطف وأشد تأثيرا من الشعر الموزون نفسه؟ وهنا، يجوز لنا أن نتساءل: هل الشعر نوع من البروباغندا، إن كان حقيقة أم مجازا؟ أم أنه يحررنا منها عكس ما نعتقد؟
يقول الشاعر الكبير محمد السرغيني:
- لا يقينَ في الشعر...!
وهو عكس ما تذهب إليه البروباغندا في الترويج إلى "اليَقِين" بالشيء، إلى درجة قد يصل فيها الإيمان بالشيء إلى المقدس والأعمى، وهو يذهب في ذلك، عكس ما تعمل عليه أو تهدف إليه بعض أبواق الأنظمة الشمولية والمتحكمة في كل شيء.
الشعر بدوره أيضا، مثل البروباغندا، له عدة أنواع من الأساليب والتقنيات والآليات للإقناع وزرع اليقين في النفوس أو الإيمان بأفكار ومعتقدات مُحدّدة، مثل الأشعار التي تدعو إلى إيديولوجيات أو سياسات وأفكار تتجه إلى ترسيخ مفاهيم وعقائد معينة، سواء كانت هذه الأفكار سياسية أو دينية أو إيديولوجية يتم تحديدها وتوجيهها والتركيز عليها حينا أو تشتيتها والتيَهان بها إلى حدود الضياع في أحيان أخرى، بحيث لا ترتكز مفاهيمنا أو أفكارنا حينها إلى شيء محدد بذاته، ولا الثقة فيه كحقيقة مطلقة لا تحوم حولها الشكوك، كما هو الحال مع مقولة الشاعر محمد السرغيني: "لا يقين في الشعر"
قد لا نجد الفرق أحيانا بين الشعر والبروباغندا أو السيكولوجيا، لأن الهدف واحد ومنسجم، وهو إما توجيه العقول والرأي العام أو تشتيته حسب ما هو مخطط له، كما تفعل أنظمة الرقابة أو النظام الدولي المتحكم في كل صغيرة وكبيرة في هذا العالم، أقصد هنا ما تقوم به الدول الكبرى من خلال خلق الكثير من الحروب والتوترات في أكثر من بقعة في العالم، ويبقى القصد الخلفي من وراء كل ذلك، هو عدم الاستقرار كي تتمكن من زرع أيديولوجيتها من أجل الهيمنة على العالم.
وحتى في ظل ما نراه من تحرير في الإعلام، سواء المرئي أو المسموع والمكتوب، وما يعرفه العالم من تنوع وغنى في مصادر المعلومات وثورة في رقمنة كل شيء، بما في ذلك الأدب والشعر نفسه، نجد أن هذه المرحلة بالذات هي التي عرفت بالذات أكبر عملية تحكم في العقول تتعرض لها البشرية منذ عقود، سواء بشكل جماعي أو حتى بشكل فردي، وذلك للدفع بشخص معين نحو الإيمان بعقيدة أو أفكار محددة، قبل ضمه للقطيع عن رضا وبشكل نهائي. الأكيد أن الصور والأخبار موجودة على الطريق وفي كل مكان، لكن مع ذلك لا أثر لليقين في كل ما يجرى من حولنا، وبالتالي هل كان هذا ما يقصده الشاعر الكبير محمد السرغيني بمقولته: "لا يقين في الشعر".
الاحتراز هنا واجب، مهما كانت الظروف واختلفت المقامات، حتى لا نصبح مطمحًا لأهداف الغير وسيطرته، ومهما تنوعت الأساليب والتقنيات أو تعقدت، أو بمعنى آخر، حتى نتحرر ونبقى في مأمن من التملك والهيمنة. الشعر والبروباغندا، يعملان معا ودائما على تحقيق نفس الأهداف، وربما كان قصد الشاعر السرغيني الحقيقي هو حمايتنا من كل بروباغندا ممكنة، وليس من خدعة الشعر وحده، لكن في نفس الوقت أيضا من خدع السياسة والإعلام، وحمايتنا كذلك من كل هيمنة مُمكنة.
كانت كل من البروباغندا والشعر يكملان بعضهما البعض منذ القديم، ويعملان معا على غرس أفكار محددة يراد لها أن تكون في دماغ الإنسان ويؤمن بها، من خلال أهم العوامل المتوفرة وأقواها على الإطلاق، وهي العاطفة، لذلك انتبه السرغيني أيضًا إلى هذا الأمر، وكان حاسما فيه، حينما نأى بالشعر عن العاطفة، وقال أن: "الشعر ليس عملا عاطفيا"، ليدفع بنا دفعا إلى استخدام العقل وترجيحه على العاطفة، والتي من خلالها يمكن استغلال الجانب الطفولي- العاطفي فينا بسُهولة ويُسر كبشر من طرف أي جهة، ولذلك يبقى هنا إعمال العقل والفكر، وعدم القبول بكل شيء دون تفكير نقدي في كل مجالات حياتنا الفكرية والحياتية أمرٌ واجب، ومن هنا يكون الشاعر محمد السرغيني قد فضّل في الأخير فردانية وعزلته الاختيارية على الانضمام إلى الجماعة، حتى لا نقول القطيع، وظل مستقلا ومتشبثا بالقيم والمبادئ الكونية والإنسانية، دون مراعاة لجنس أو لون وعرق.
والبروباغندا، كما الشعر، كانت ولازالت تعمل على تشتيت أو تركيز النظر على شيء مُحدّد بذاته أو تعويضه بمجموعة من الأفكار والمعلومات التي يُراد لها أن تمُرّ في الاتجاه المُعاكس، عكس ما يجب أن يركز عليه الإنسان أو يحدده، وهي النسخة الجديدة من البسيغوكوجيا التي استعملها الإغريق القدامى، كما اتخذها من قبلهم البابليون والآشوريون والفراعنة للدفاع عن أفكارهم وآرائهم وملوكهم، أو عن شرف القبيلة في البلاد العربية وجمال بناتها في زمن الجاهلية وزرع الخوف في قلوب أعدائها.
وما هذه الأبيات الشعرية، من معلقة الشاعر عمرو بن كلثوم التغلبي، التي تغنى بها العرب معه إلا نموذجًا، يقول فيها:
أبَا هِنْد فلا تعْجَل علينا ** وأنظرنا نُخْبرك اليَقِينَا
بأنّا نورد الرّايات بيضًا **ونُصدرهنّ حُمرًا قد رَوينَا
ما نراه هنا في هذه الصورة الشعرية، لا يختلف في شيء عن ما رأيناه من صور لجنود المارينز في العراق، حين كانت تتنقل في شوارع بغداد مدججة بآخر ما جد في عالم السلاح، أو صور الطائرات وهي تقلع أو تنزل فوق مدرجات لمطارات عائمة- حاملات الطائرات- وهي تسبح في المياه المالحة في ظلمة المحيطات الزرقاء، ولا عن ترسانة وأسماء الصواريخ العابرة للقارات بكل أشكالها المدمرة، وهي تقلع ليلا من مختبرات التجارب المندسة تحت بياض الثلوج في غابات روسيا وجبالها أو في صحاري أمريكا وبراري الصين المترامية.
وقد أثبت الشعر، كما البروباغندا، فعاليتهما معا في التحبيب أو الترهيب والتخويف، وفي العملية الدعائية لجهات معينة بذاتها، حتى لو تعلق الامر بالمدارس والتكتلات الشعرية أو الفكرية، في إطار دعاية منظمة ومنتظمة لجهة أو تلميع اسم بذاته، من خلال الترويج له عبر تكتلات، سواء للحماية الجماعية أو الشخصية، في إطار ما يسمى: "رابح- رابح" من خلال "عضلات" القصيدة أو هدير الطائرات وزمجرة الصواريخ في سواد ليالي سمائنا المفتوحة على كل الآفاق. لكن الأكيد أن الشعر كما البروباغندا، قد أبانا عن فعاليتهما كسلاح، وعن قدرتهما كمنظومة قادرة على التدجين الإعلامي بمختلف أشكاله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.