بعد حوالي عام على سقوط الرئيس السوداني عمر البشير تحت ضغط احتجاجات تصدّرتها النساء، تشكو الناشطات السودانيات اليوم من بطء السلطات الجديدة في إحراز تقدم لتحسين وضع المرأة. وبعدما كانت زغاريد النساء هي التي تعطي إشارة الانطلاق للتظاهرات في مدن السودان بين ديسمبر وأبريل 2019، دعت الناشطات إلى التظاهر بمناسبة اليوم العالمي لحقوق المرأة، الأحد أمام وزارة العدل في الخرطوم، للمطالبة بإلغاء القوانين التي تشكل انتهاكا لحقوق المرأة. تقول الناشطة زينب بدر الدين، التي التقتها وكالة فرانس برس في بيتها المتواضع في مدينة أم درمان على الضفة الغربية لنهر النيل، "لم تحدث أي خطوة ترضي النساء". وستكون تظاهرة الأحد بقيادة بدر الدين، الناشطة منذ بداية الثورة التي عاودت العمل كمعلمة بعد ثلاثين عاما على تسريحها من وظيفتها بسبب "أفكارها التقدمية". وكما في أيام المسيرات ضد نظام البشير، ستطلق بدر الدين "زغرودة" تعلن بها بدء التظاهرة في الساعة 13,00 (11,00 ت غ). وأول مآخذ الناشطة على السلطات الجديدة ضعف المشاركة النسائية في الحكومة، وذلك رغم أن رئيس الحكومة منذ ستة أشهر، عبد الله حمدوك، عهد إلى النساء بأربع وزارات من أصل 17، من بينها وزارة الخارجية التي تتولاها لأول مرة امرأة هي اسماء محمد عبد الله. كما عينت لأول مرة امرأة هي نعمات محمد عبد الله على رأس السلطة القضائية، وامرأتان بين أعضاء مجلس السيادة الذي يتولى مع الحكومة مهام التشريع ويضم 11 عضوا هم خمسة عسكريين وستة مدنيين. تمثيل ضعيف وقالت بدر الدين بهذا الصدد: "تمثيلنا في الحكومة ليس أكثر من 22%، وحتى هذا التمثيل لم يكن برضى الجماعات النسوية المعارضة". وأشارت إلى أنه "لو صار عدد النساء في الحكومة أكبر، لكان سمح بوجود نساء مهتمات بقضايا المرأة بصورة أكبر". وبعدما عُرِف عهد البشير الذي استمر ثلاثين عاما بقوانين "تكرس التمييز ضد النساء"، قامت الحكومة الجديدة في نوفمبر 2019 بإلغاء قانون يعرف بقانون النظام العام والآداب العامة كان يحد من حرية المرأة وحقوقها. وسمح هذا القانون في عهد البشير بجلد العديد من النساء أو سجنهنّ لشتى الأسباب، مثل ارتداء ملابس "فاضحة" أو استهلاك الكحول. غير أن قوانين أخرى مجحفة للمرأة ما تزال سارية المفعول، وفي طليعتها قانون الأحوال الشخصية للمسلمين العائد إلى العام 1991 الذي يختص بقضايا الأسرة، إضافة إلى المادتين 152 و153 من القانون الجنائي المتعلقتين ب"الزي الفاضح"، ولم تصدر أي تشريعات جديدة لحمايتهن. وأسفت بدر الدين بصورة خاصة لعدم وجود قانون يجرّم التحرش الجنسي، وترك الحرية للقاضي ليقرر إن كانت امرأة تعرضت للاغتصاب أم لا، ما يمكن أن يقود في بعض الحالات إلى ملاحقة ضحايا اعتداءات جنسية بتهمة الزنى. قانون موضع تنديد وعلقت انعام عتيق، محامية وناشطة نسائية مرتدية الزي السوداني التقليدي الأبيض، بأن "سبب معاناة آلاف النساء في كل السودان هو قانون الأحوال الشخصية للمسلمين". وأشارت عتيق إلى أن القانون يجيز زواج القاصرات، كما يشترط الولي للزواج بدون أن يشترط رضا المرأة. وأكدت أن "تعديل هذا النص أمر عاجل، ويمكن القيام بذلك بدون المساس بمبادئ الشريعة". كما لفتت إلى أن "المادتين 152 و153 من القانون الجنائي تتحدثان عن الزي الفاضح دون تعريف ما هو وتركه لتقدير الجهة التي تطبق القانون". وقالت من جهة أخرى إن "المحاكم الشرعية لا تعترف حتى الآن بتحليل الحمض النووي في تحديد النسب رغم أن المحاكم السودانية الأخرى تأخذ به، إضافة إلى أن أغلب الدول الإسلامية تأخذ به"، ما يسمح، بحسبها، للعديد من السودانيين بعدم الاعتراف بأولادهم، وهذا ما يزيد من معاناة النساء. ونددت عتيق كذلك بالتمييز في حق النساء بموجب لائحة السفر إلى الخارج التي تطبقها إدارة الجوازات والجنسية والهجرة، وأوضحت قائلة: "إن كنت مسافرة، عليّ أن آتي بموافقة مكتوبة من ولي أمري، وهذا الولي قد يكون أخي الأصغر الذي ربيته أو ابني حتى"، مضيفة أن "السيدة إذا أرادت اصطحاب ابنها أو ابنتها إلى خارج البلاد، لا بد أن تحضر موافقة مكتوبة من والدهما حتى لو كان هذا الوالد لا علاقة له بأسرته". وتابعت: "لا بد من إجراءات حاسمة، وأعتقد أن وزير العدل والحكومة متفهمان لقضية المرأة وأنا متفائلة بأننا نستطيع القيام بخطوات في الاتجاه الصحيح". غير أن الناشطة منال عبد الحليم تبقى حذرة وتقول: "القضية النسوية أولوية"، مستغربة "خروج أصوات، من بينها أصوات نسائية، تقول إن هذا ليس وقته". وتعهد حمدوك عند تشكيل حكومته بتحسين أوضاع المرأة رغم الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها البلاد.