فيما عُلِّقت الأنشطة الفكرية والثقافية، انكفأ المغاربة إلى العالم الافتراضي لمناقشة التيمات التي فرضها الوباء، حيث تعجّ مواقع التواصل الاجتماعي اليوم بالعديد من المبادرات الفنية والندوات التفاعلية المُعدّة عن بعد بسبب التباعد الاجتماعي الذي فرضته "كورونا". وفي زمن العزلة المنزلية، يُقبل المواطنون على العالم الافتراضي الذي يُقرّب مُستعملي المنصات الاجتماعية من عالم الثقافة، مجسّدا بذلك رؤية أخرى لمواقع التواصل الاجتماعي المقرونة بالتسلية في ظل الأوقات الثقيلة التي تعيشها المملكة. وبالنسبة إلى موليم العروسي، الكاتب المغربي الباحث في الجماليات، فإن "الأزمة الوبائية التي فرضت على الناس التباعد الفيزيقي ساهمت في تكثيف الأنشطة الثقافية الرقمية، لا سيما من الجانب الدعائي، حيث يتقاسم الفنانون التشكيليون أعمالهم على الصفحة الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي". وقال العروسي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن "الموسيقيين يقومون بتنزيل أعمالهم أيضا على منصة يوتيوب؛ ومن ثمة، فإن كل فنان ينشر أعماله على حسابه الشخصي، بحيث أصبح الناس يناقشونها في العالم الافتراضي عوض المقهى، على أساس أنها أصبحت فضاءً عمومياً أيضا". وأوضح أستاذ الفلسفة في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء أن الحجر الصحي "كثّف من استعمال غوغل وتطبيق زوم قصد إتاحة النقاش الجماعي، فلم يعد الشخص يخطب في واد ولا يعرف ما إذا كان الناس ينصتون إليه"، معتبرا الظاهرة "صحيةً، لأنها سمحت بالنقاش والتحاور العمومي". وشدد الجامعي ذاته على أن هذه المنصات الافتراضية لم "تُعطنا وجهاً جديدا للتعامل مع الفكر، حيث تستعمل السبورة في التدريس الرقمي، وتُلقى المحاضرات الجامعية عن بعد على غرار نظيراتها في المدرج، إلى جانب النقاشات التي كانت في القاعات أو المقاهي لكنها أصبحت في الفضاء الافتراضي فقط". واستطرد قائلا: "عندما كان الفكر شفويا، كان له معنى، وأصبح كتابةً، فتغيّرت الميكانيزمات، وحينما عدنا الآن إلى الشفوي عبر الطريقة الافتراضية، حافظ على المحتوى والوسائل نفسها؛ أي إن الضيف يعتبر منبع العلم والمعرفة، بينما ينصت الآخرون ويغامرون بطرح السؤال". ولفت العروسي إلى أن "التركيبة لم تتبدل وكذلك البنية؛ فبعدما كانت الممارسة واقعية أصبحت الآن افتراضية، لكن ننتظر تقييم الطلبة والتلاميذ والأولياء والمفكرين والسياسيين بشأن ذلك"، مبرزا أن "الفضاء البديل يسمح بحرية أكثر، فعندما سيُرفض طلب الحصول على رخصة لتنظيم ندوة، سيتم اللجوء إلى الفضاء الافتراضي".