رمز مسرحيّ مغربيّ، وجه تلفزيّ وسينمائيّ كبير، وزيرة للثقافة... مسارات عديدة، والفقيدة واحدة: ثريا جبران. ثريا جبران، أو السعدية قريتيف في حياة سابقة، رمز من أبرز رموز المسرح المغربيّ، ووزيرة للثقافة كانت هي الأولى التي يقودها بالمغرب مسارها الفنّيّ إلى هذا المنصب، وإنسانة آمنت بالمسرح وأهلِه. صعدت الفقيدة خشبة المسرح في سنّ مبكّر، قبل أن تدرس المسرح وتعتلي خشباتٍ عربيّة وغربيّة باسمه في مسار تنقّلت فيه بين فرق مسرحيّة عديدة، كانت فيها مؤدّية، ومشارِكَة، أو مؤسِّسة، منها على سبيل المثال لا الحصر: مسرح الشعب، مسرح الفرجة، مسرح الشّمس، مسرح الفنانين المتحدين، فرقة الناس، مسرح اليوم. هذه الفنانة المسرحية التي كانت قريبة من حزب الاتحاد الاشتراكي عندما كانت بجانبه القوّاتُ الشّعبيّة، لم تسلم من النّار التي كان يلفح لهيبها كل متبّن لخطاب الحقّ والتّغيير، فتعرّضت للخطف وحلق شعرها لثنيِها عن المشاركة في برنامج حواريّ على القناة الثانية، في بداية انفتاحها، لتكمل قولها في مسرحيّاتها، بعدما غابت عن الحلقة المبرمجَة. ولا يخلو مسار ثريا جبران من طٌرَف، من أوسعها انتشارا جوابها للملك محمّد السادس، في لقاء جمعه بمجموعة من الفنّانين، ذكّرَها فيه بمقطع من مسرحيّتها "ياك غير أنا": "دابا ما كاين مخزن ياك؟"، لتهمس مجيبة: "عنداك يسمعونا ويجيو يشدّونا"؛ لينفجر الملك ضاحكا. ويرتبط اسم هذه المبدعة المغربيّة بمجموعة من الأعمال مسرحية، من بينها: "أبو حيان التوحيدي"، "سيدي عبد الرحمان المجذوب"، "سوق عكاظ"، "ألف حكاية وحكاية"، "بوغابة"، "النمرود في هوليوود"، "الشّمس تحتضر"، و"نركبو الهبال". ومع المسرحي الكبير الطيب الصديقي، شاركت ثريا جبران في مجموعة من المسرحيات، قادتها إلى الظّفر بجائزة أحسن ممثّلة عربيّة بمهرجان بغداد عام 1985، لتجاور هذه الجائزة بعد ذلك أوسمة وجوائز، منها: جائزة أحسن أداء نسائي بمهرجان قرطاج، جائزة الشارقة للإبداع المسرحي العربي، وسام الاستحقاق الوطني بالمغرب، ووسام الجمهورية الفرنسية للفنون والآداب من درجة فارس. وفي التلفزيون، كما في السينما، تجدّدت استضافة ثريا جبران. كما شاركت في وصلات توعوية ظلّت تعبيراتُها جزءا من ذاكرة أجيال من المغاربة، وأضيفت إلى القاموس الجمعيّ للبلاد. تحكي سيدة المسرح المغربيّ، عن المسرح، في شهادة نشرتها الهيئة العربية للمسرح، قائلة: "منَحتُ العُمْر للمسرح. ما قضيتُه من سنوات على الخشبات، وفي المسارح المغربيّة والعربيّة والأجنبيّة، أكثر ممّا قضيتُه في بيتي وبين أفراد أسرتي الصّغيرة. اتّخذتُ المسرح مسكنا، وأهل المسرح أهلا، وتهتُ طويلا في النّصوص والشخوص والأقنعة والأحلام والخيال. وكانت سعادَتي في كلّ عمل جديد، وكان الفرح يتجدّد مع كلّ لقاء جديد. وطبعا، كان هناك الكثير من الألم في طريقي". ومع رهانها على أب الفنون، الذي هو "كائن حيّ ينتبِه إلى التّناقضات فيقولُها، وإلى التّوازنات فيضيئها، وإلى الاعوجاجات فيُعَرِّيها، وإلى الهزائم فيُسَمِّيها"، تطمئننا ثريا جبران، بعدما جالت الخشبات طولا وعرضا وقالت كلمتها ومضت، بأنّ "الزّمن كلّه له. نحن نمضي، ويبقى المسرح دائما، وسيتَّجِه دائما صوب المستقبل، كاشفا الطّريق، راسما الخطوة أمام النّاس".