البحث عن الذات لا يستقيم إلا بالعودة إلى الأصول. والأصل في الهوية المغربية تاريخها، كينونتها الثقافية، مرجعيتها الإثنية، عقيدتها بكل مكوناتها الروحية، موقعها الجغرافي وخضوعه لتيارات شرقية غربية، جنوبية شمالية، لتجعل من الهوية المغربية هوية مستقلة لها خصوصياتها غير قابلة للعبث بها أو حبسها في قوالب أيديولوجية دخيلة معدة للاستغلال الفاحش يتنافى كليا مع الطبيعة ومع تلك الذات المغربية. حال الشوائب هو الحال الذي يريد القومجيون أن يسوقوه لنا كمغاربة بعد أن تعرضت خرافاتهم للإفلاس ووأدها التاريخ في المهد بتخلي أصحابها عنها. ولو علمنا أن الفكر القومي قد فشل في عقر داره فكيف يحق للقومجيين الجدد أن يبيعوا لنا هذا الوهم وهذا الفكر منتهي الصلاحية في كل محطة من محطات هذا العالم الذي قد نسميه تجاوزا بالعالم العربي، فيما المغرب قد لا يندرج في هذا لتصنيف بحكم دستوره وقوانينه. ومن بين تلك المحطات التي يخرج فيها القومجيون علينا من حين لآخر بأسطوانات مشروخة، محطة دأبوا على تسميتها بمناهضة التطبيع، بعد أن فشلوا فشلا مخزيا في جر المؤسسات المغربية إلى إصدار قوانين تجرم كل خطوة من خطوات التواصل مع دولة إسرائيل. وبالأمس القريب اعتبروا أن ما قامت به دولة الإمارات العربية الشقيقة في علاقتها مع إسرائيل بمثابة خيانة، نفس الحال من "الجدبة العيساوية" هم عليه اليوم مع مملكة البحرين، وكذلك غدا مع دول أخرى. يتعرون على الملأ ولا يكفيهم سقوط الأقنعة. لقد خرجوا في مظاهرات عدة وأخرجوا ما تيسر لهم من أناس بسطاء. وكلما ألم مكروه بالقضية الفلسطينية واجهوه بالشعارات الجوفاء التي لا تقدم ولكنها تؤخر ومن دون أن يتحقق أي شيء على الأرض قد يفيد القضية. إنها مظاهرات لتنفيس الاحتقان بينما المطلوب أيها القومجيون، إن كان لكم فيه أصلا دور، أن تطرحوا البديل لا أن تقفوا عند حدود مناهضة التطبيع. لعلكم تلقون باللائمة على الأنظمة العربية وتتهمونها بأبشع الاتهامات من قبيل الخيانة والتخاذل والتقاعس. وعلى فرض أن ما تكيلونه لتلك الأنظمة وما تقولونه عنها صحيح، فما هو البديل الذي تقدمونه وأنتم الذين تنصبون أنفسكم بالأوصياء على الشعوب؟ فعلى أي أساس تتم تلك الوصاية أو تلك التعبئة الجماهيرية إذا غاب عن كل ذلك الجانب العملي لمواجهة ما تسمونه بالعدو الإسرائيلي؟ نريد أن نعرف أجندتكم في هذا الصدد خارج ما تقدمونه من نضال شفوي. ومادام أنكم لا تتوفرون على ذلك، فإن الاحتمال الوارد في ذلك هو أنكم تتخذون من القضية مطية للاسترزاق. ونحن هنا لا نتكلم من فراغ. ففي مرحلة من مراحل تضالكم المغشوش أو المشكوك في أمره كانت قبلتكم عراق صدام حسين حيث أظهرت القيادات المحلية للتيار القومي في المغرب كل الولاء للرئيس العراقي، ومنهم من كان يبايع ويخنع له على عتباته ويشيد بأفضاله وبخزائنه وبمكرماته. وبعد أن مات صدام تنكروا له ولم تعد بغداد أولى قبلتهم وثالث حرمهم، بل شدوا الرحال إلى قبلتهم الجديدة في بلد الحسينيات والحوزة الدينية وبلد المزارات الشيعية، فبات المرشد الروحي وارث سرهم وهم لأعتابه يخرون ساجدين خانعين لما تجود به خزائنه لينتشروا فيما بعدها في مشارق الأرض ومغاربها حاملين أوفياء لرسالة آية الله العظمى وإرث الأسرار والمطلع على النوايا. ففي إحدى المؤتمرات التي كانت ترعاها إيران لدعم الانتفاضة الفلسطينية قد حضر بعض القومجيين والإسلامويين من بلادنا في المؤتمر الرابع المنعقد في شهر مارس من عام 2009، وكان نصيبهم في ذلك الحضور أن اعتنت بهم ولاية الفقيه وأحسنت وفادتهم بعد أن تفضل رئيس البرلمان الإيراني آنذاك بزيارتهم في غرفهم، كان ذلك مساء يوم 4 مارس من نفس السنة. ومنهم من تفاءل الإيرانيون بوجوده في ذلك المؤتمر لأنه في عقيدتهم الإثنى عشرية قد يخرج المهدي المنتظر مباشرة بعد ظهور رجل يحمل اسم بعض المشاركين من المغاربة. وقد أبلغ صاحبنا بذلك ويعلم الله كم كان اعتزازه وافتخاره بعد أن وجدوا فيه فال خير وتيمموا ببركته وتيمم هو الآخر ببركاتهم. وبعد ذلك بيومين قطعت العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وطهران. ولأن البركات لا ينضب معينها ويبقى مفعولها ساريا، ها نحن نراهم اليوم أوفياء للعهد ويتصدون لمسألة التطبيع مع إسرائيل في بيان أصدره ما يسمى بالمؤتمر القومي الإسلامي يوم السبت المنصرم يهاجم فيه البحرين ويعتبر تطبيعها مع إسرائيل شراكة في الإرهاب والعنصرية وجرائم الحرب. ولا يهمهم في هذا الصدد ما يحدق بهذه المملكة الصغيرة من مخاطر حقيقية تأتيها من المارد الإيراني. وإذا سقطت تلك المملكة في قبضة ذلك المارد فسيكونون أول الشامتين مثل ما فعلوا مع الكويت بعد أن نامت على حال واستيقظت على حال.